تكثفت الاتصالات البعيدة من الأضواء والعلنية في شأن تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، لكن وسط استمرار التكتم على مضمونها، في ظل مواصلة الرئيس المكلف تشكيلها سعد الحريري سياسة الصمت، يُعينه في ذلك رئيس البرلمان نبيه بري الذي قال أمس بعد اجتماع مفاجئ مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». ولم يشذ الفرقاء الآخرون الذين تشملهم اتصالات الحريري، عن قاعدة التكتم وسط تأكيد عدد من القادة السياسيين ان الرئيس المكلف يعالج موضوع التأليف «بهدوء تام وبصبر كبير»، كما قال أحد الأقطاب السياسيين ل «الحياة»، في تعليقه على مطالب رؤساء الكتل في شأن الحصص في التركيبة الحكومية. وأكد مصدر سياسي بارز ل «الحياة» ان الاتصالات مفتوحة بين الحريري وبري للتشاور حول الصيغ الحكومية، وبين الأول و «حزب الله»، إذ زاره المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل مرتين خلال اليومين الماضيين، كما اجتمع الخليل مع الرئيس بري وتشاور مع شركاء الحزب في المعارضة. وحول مدى إصرار المعارضة على الثلث المعطل في الصيغة الحكومية وعلى النسبية، أبلغ المصدر «الحياة» ان «هناك سقفاً للمطالب وعندما يتم الانتهاء من إعداد الصيغة، فإن الجميع سيضطر الى التنازل، نظراً الى وجود سقف إقليمي يحول دون العرقلة». وتتأرجح مواقف قوى المعارضة بين طرح مطلب الثلث المعطل وبين الامتناع عن طرحه علناً والمطالبة به سراً، وبين الاكتفاء بالمطالبة بحكومة وحدة وطنية من دون الإشارة الى الثلث +1. وفي هذا السياق، نقل زوار بري عنه تكراره الحديث عن حكومة وحدة تمزج بين 14 و8 آذار وتخلط الأوراق. ويشدد بري على ان تجربة التصويت التي حصلت في البرلمان وفي تسمية الحريري هي مثال على خلط الأوراق فإنه أكد لزواره، في حضور «الحياة» حين سألوه عما اذا كان هذا سيؤدي الى التخلي عن مطلب الثلث المعطل في الحصص الحكومية، انه تحدث عن خلط الأوراق قبل الانتخابات وبعدها وأن المهم هو ما حصل على صعيد المبادئ والمواقف الاستراتيجية. وسأل بري: «ماذا تريد خلطاً للأوراق أكثر من موقف جنبلاط مثلاً في شأن الوحدة والتضامن في الموقف من عدوانية إسرائيل الذي هو موقفه الأصلي ومارس السياسة منذ عقود على أساسه، بعد مرحلة من الخلاف بينه وبين المعارضة؟ ألم أكن أقول لكم أنه لا يضيع البوصلة؟ ثم أكثر من ذلك أليس موقف الرئيس الحريري بضرورة الوحدة الوطنية في مواجهة العدوانية الإسرائيلية والتطرف الإسرائيلي الذي يهدد لبنان في حال تمثيل «حزب الله» في الحكومة، خلطاً في الأوراق الذي أتحدث عنه». ورداً على سؤال قال بري لزواره: «خلط الأوراق يحصل على صعيد المبادئ والمواقف المبدئية والاستراتيجية وعندها لا تعود الأعداد والشروط مشكلة مهمة». ويقول بري: «أنا قلت للرئيس الحريري حين اجتمعنا عند الرئيس سليمان يوم تكليفه اننا سميناك لتشكيل الحكومة بشرط تأليف حكومة وحدة وطنية وأنا سأساعدك وإذا شكلت حكومة وحدة فسأقف معك حتى ولو كان ذلك ضد كل الدنيا. وما زلت على هذا الموقف...». وذكرت مصادر بري انه زار سليمان امس نظراً الى اضطرار الأخير للسفر اليوم الى مصر للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز، وأنه سيتابع مشاوراته دعماً لجهود الحريري إنجاز الحكومة، والاتصالات تتم في أجواء ايجابية. كوشنير والأسد والموسوي من جهة ثانية، قال مصدر فرنسي ل «الحياة» في باريس ان الرئيس بشار الأسد أبلغ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير موقفاً إيجابياً حيال الوضع في لبنان وقال له ان سورية لن تتدخل وأن على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يوحد اللبنانيين. وفهم الوزير الفرنسي من الجانب السوري ان سورية لن تصر على الثلث المعطّل وأن الرئيس الأسد أشار الى انه لا يريد التدخل في عملية تأليف الحكومة، وسورية لن تقوم بأي شيء يحول دون هذا التأليف. وأوضح المصدر ان الأسد كان ودياً وأظهر ايجابية حيال العلاقة مع المملكة العربية السعودية. وأشار المصدر الى ان الرئيس الأسد وصف التطور في العلاقة السورية - الأميركية بأنه جيد وإيجابي وقال ان على اوباما ان يتعامل مع إرث سلفه جورج بوش. وحول إيران انتقد الأسد المقاربة الأوروبية والغربية إزاء الأزمة معها. كما ان التقويم السوري للأحداث الداخلية في إيران بعد الانتخابات الرئاسية قريب من التقويم الرسمي الإيراني بأن هناك تدخلات خارجية حصلت لتأزيم الداخل الإيراني. وعلمت «الحياة» ان كوشنير طلب من الجانب السوري ان يبذل جهوداً لدى حليفه الإيراني بالنسبة الى المدرّسة الفرنسية الموقوفة في طهران كلوتيلد ريس. كما أجرى كوشنير اتصالاً هاتفياً من دمشق يوم السبت الماضي بنظيره الإيراني منوشهر متقي لهذا الغرض. حرب تموز وتواصلت المواقف امس لمناسبة الذكرى الثالثة لحرب تموز. وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة ان «العلامة البارزة في هذه الحرب ان اللبنانيين، على رغم التباين في بعض وجهات النظر في خصوص العدوان نجحوا في منع اسرائيل من الانتصار وأحبطوا مخططاتها. وأكد أن صون الوحدة الداخلية ومواجهة العدو تم برعاية الحكومة اللبنانية وأن لبنان نجح في إنجاز أكبر عملية إغاثة اثناء العدوان وأكبر عملية إعمار بعده». واجتمع السنيورة مساء مع الرئيس سليمان «لاستطلاع التطورات في المنطقة وجهود تعزيز الأمن في ظل تدفق السياح واللبنانيين»، ورفض التطرق الى تشكيل الحكومة «لأنه من اختصاص رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، فأنا على ثقة بأن كل خطوة يقوم بها تكون بعد دراسة وتأنٍّ ومتابعة مع جميع المعنيين ولي ملء الثقة بما يقوم به». وسئل هل يعتذر الرئيس المكلف إذا تعذّر التأليف، أجاب: «لماذا يعتذر وهو صاحب صبر كبير يبزّني في ذلك، ولي ثقة بصبره وحنكته وحكمته».