تختزل تلك الدقيقة التي مرت على رولا حداد وهي تقدم برنامجها الصباحي «كلام بيروت» على فضائية «المستقبل» لحظة انفجار ستاركو الذي أودى بحياة الوزير السابق محمد شطح وستة آخرين كل ما يمكن أن تنقله الكاميرا للمشاهد من دون أن تغادر الاستوديو وكأنها بذلك تحاكي أصل التلفزيون «الحجروي» المنشأ قبل أن يتحرر ويتمرد على القوانين التي ألزمته بالبقاء ساكناً منذ أن بدأ البث فعلياً نهاية أربعينات القرن العشرين. حداد التي كانت تستضيف النائب السابق صلاح حنين في هذا الصباح المشؤوم روت من خلال الذعر الذي ألزمها السكوت مع ضيفها بعد اهتزاز الاستوديو وسماع صوت الانفجار مباشرة على الهواء كل ما يمكن أن تنقله الكاميرا لو تواجدت في هذه الثواني الفاصلة في مكان الحدث: الرعب على الوجهين، الحيرة في التحقق من مصدر الانفجار وعلتّه، والأهم هو ذلك الكلام البيروتي الصباحي الذي كان يطلقه حنين في هذه اللحظات الآثمة حول «تغيير الواقع». صحيح أن المصادفة وحدها هي من أوصلت هذه الصورة الهلعة للمشاهد الحائر بدوره والمعنف سواء كان قريباً من مكان الانفجار أم بعيداً منه ويتابع كلام الضيف، ولكن أشجان التلفزيون وأحكامه عادة لا تنتهي هنا، إذ يبدو سابقاً لأوانه التسرع بإعطاء حكم عن مدى تقبل أن يكون التلفزيون بعيداً من ساحات «الوغى» ولا يقوم بالتفنن والتنقل بين صور الضحايا كما يفعل أحياناً من باب الإثارة والتنكيل بوعي المشاهد ووجدانه عن وعي أو من دونه. ما يحدث بين ظهرانينا منذ أعوام هو نتيجة هذا الانفلات الذي انتهجته فضائيات كثيرة بحثاً أو طمعاً بخبر وصورة قد تفوق الخيال لحظة عرضها، وليكتشف ثقات كثر أن الموضوع لا يتعدى هذه الإثارة التي ترفضها سلطة الخيال الإنساني السوية. فبعد أقل من ساعة تمكنت الكاميرات الأخرى من الوصول إلى صور الأصدقاء الذين التقطوا آخر صورة تذكارية على رصيف الانفجار، ولم يتبد هذا «الشطح» في الخيال سوى في العثور على الصورة التي جمعتهم قبل التفجير، في ما تبدو السيارة المفخخة خلفهم تماماً وصورة ذلك الفتى الذي سيصاب بجروح مع بقية زملائه وتنتشر معها صورته وهو مضرج بدمه بعد ثوان وهو من كان يرتدي أصلاً «تي شيرت» أحمر اللون ربما في إشارة إلى لون دمه (توفي أمس متأثراً بجروح أصيب بها جراء الانفجار). لم يكن التوظيف صحيحاً وسليماً هنا في سياق تغطية تلفزيونية «باردة» ليست معنية بمشاعر أهالي هؤلاء الفتيان وأصدقائهم، وربما مشاعر المشاهدين العاديين، وقد يبدو كلاماً مستهجناً القول إنه لو لم توجد تلك الصورة الفوتوغرافية التي جمعتهم لكان الأمر أيسر وأقل تأثيراً وربما اكتفى المشاهد بحيرة رولا حداد وصلاح حنين مستعيضاً بذلك عن هجمات العدسات التلفزيونية وراء صور صارت أقل من عادية من شدة « تكرارها وإبداء الرأي فيها عن طريق استضافة المحللين وعباقرة الفضائيات، وقد بدا للجميع في ذلك الصباح الحزين أن كلاماً يقال في استوديو بيروتي ربما يكفي لإعلامنا بالحدث الجلل من دون كل هذه الصور.