منذ بداية الثورة السورية، كان من الممكن أن نلاحظ حضوراً لافتاً للتشكيليين من أجيال مختلفة في الحدث السوري، والمساهمة حتى في صناعة صورته. ترك هذا الحدث أثراً بيّناً على الأعمال الفنية طوال الأعوام الثلاثة الماضية. ونظراً إلى قرب المسافة ولكوننا نتناول حدثاً جارياً من جهة، وأعمالاً وتجارب قيد التطوير من جهة أخرى، أي أنها غير مكتملة ولا مغلقة، فمن غير الممكن اليوم أن نعرض لكل جوانب هذا الأثر، وما يتاح لنا فقط هو أن نقدم انطباعاً عاماً حول بعض هذه التجارب. حرصت معظم الأعمال التشكيلية على تحقيق صدمة تماثل تلك التي يخلفها العنف اليومي المعاش في سورية. ولعل المتغيرات الطارئة على المشهد التراجيدي السوري خلال هذا العام، أدت إلى تحولات في علاقة الفنان مع القضية السورية، وانعكس هذا الأمر على مستوى علاقته بأدواته وإنتاجه الإبداعي. تراجع حضور بعض الفنانين ونشرهم أعمالهم، نلحظ ذلك على فضاء موقع «فايسبوك» مثلاً، وذلك بعد حضور ملحوظ طوال العامين الماضيين، في حين تواصلت تجارب أخرى، ولكن بوسائط وأدوات مختلفة. فخليل يونس الذي توقف عن نشر رسومه مثلاً، واصل الحضور من خلال الكتابة على شكل قصص قصيرة ونصوص مكتوبة بالعامية تبحث في الذاكرة الشخصية، الصور التي تبنى أو تستدعى من خلال النصوص، وتتقاطع أحياناً مع تجربة الرسم. اللافت أنه وفي مقابل اللحظي الصادم والعنيف، هناك استدعاء للذاكرة البعيدة، ومحاولة لإنجاز بناء سردي أكثر اتصالاً مع التجربة الشخصية. هو أيضاً بشكل أو بآخر، احتجاج على الموت والعنف اليوميين. في التشكيل نستطيع أن نلاحظ هذا النزوع أيضاً، كما في عمل «تحية الى حارس المرمى» لياسر صافي الذي يبحث عن ذاكرة ما قبل العنف. في المقابل، لا تزال الأعمال الفنية التي تحوي عناصر تحيل مباشرة إلى الحرب، الأكثر حضوراً. ربما طرأت عليها بعض المفردات الجديدة. «الهاون» على سبيل المثال كما في لوحة لمهند عرابي حيث تستقر، في المستوى الأول للعمل، قذيفة هاون أمام وجه محاط بهالة حمراء لتصبح جزءاً عضوياً من هويته. ومن الملاحظ أيضاً أن مواضيع كالتهجير واللجوء ازدادت حضوراً في الأعمال الفنية قياساً بالعامين الماضيين، كما في «هجرة عبر البحر» لأحمد علي، الذي يشتغل بشكل أساسي على الملصق «poster» بنوع من الإيهام البصري. ونلاحظ الشكل المبسط، المتكرر والمتداخل لرأس رجل يغرق يتحول تدريجاً إلى طائر. ونلحظ أن تيمة الهجرة التي طرأت على الأعمال السورية مع تصاعد العنف في العام الماضي، تستدعي بالضرورة تجارب هجرة سابقة عاشتها المنطقة. في مجموعة «رحلة سعيدة» لتمام عزام الذي يتركّز عمله حالياً على الفنون الرقمية، يُستحضر التهجير بشكل مختلف. ويؤلف عزام لوحته البصرية معتمداً على صورة حقيقية لبناء مهدم من حمص ربما أو من دوما، تحمله بالونات ملوّنة، باحثاً عن وطن موقت في مكان آخر من هذا العالم. استحضار الدمار يظهر أيضاً على شكل تجهيز فني «installation» لفادي الحموي بعنوان «إلى من يهمه الأمر»، فنرى آثار الدمار الذي يخلفه سقوط قذيفة على بيت ما. ضمن هذا المشهد، هناك شاشة تلفزيون تتيح للمتفرج أن يرى صورته وسط الركام. وفي النص المكتوب المرافق لهذا العمل، يقول فادي: «روح تنظر إليك مراقبة، وجسد تائه في الفراغ يبحث متعثراً عن مكان ثابت لوضع قدميه. حطام بيت تعشقت فيه ذكريات وأصوات ورائحة من أهله. تقف نائياً بنفسك، حتى تصبح فاجعتك». بعد هذا الاستعراض الموجز لبعض أعمال الفنانين السوريين، يمكننا القول إن غالبية التجارب الفنية تتواصل وتتراكم من دون أن يحدث تحول خاص أو قطيعة مع العام الماضي. وعلى رغم التنوع الواسع في تمثيل العنف، تبقى موضوعة الموت الأكثر حضوراً في معظم هذه التجارب خلال السنوات الثلاث الماضية. * فنان تشكيلي سوري مقيم في فرنسا