لم تشأ السينما في لبنان أن تودّع العام 2013 من دون تحقيق انتصار جديد: 14 صالة مجهّزة بأحدث التقنيات المتطورة، تمتد على مساحة 12 ألف متر مربع (تضم 2200 مقعد)، افتتحتها قبل أيام شركة «سوليدير» في الوسط التجاري لمدينة بيروت بالشراكة مع «وورلد ميديا هولدينغ» (حماد نادر الأتاسي) و«أمبير» (ماريو جورج حداد) في مجمع «أسواق بيروت سينما سيتي»، في خطوة لافتة في توقيتها، إذ تأتي في ظل أوضاع سياسية متشنجة وتلبّد في الحركة الثقافية، ولكن أيضاً في زمن تشهد فيه عواصم عربية عدة، قطيعة مع الصالات. فبينما تعلو أصوات كثيرة في المغرب العربي مثلاً، تُطالب بإنقاذ صالاتها من خطر الإغلاق، تستقبل بيروت دور عرض جديدة، وكأنها غير عابئة بما يدور من حولها من تحديات. وليست صالات الوسط التجاري، الوحيدة، التي افتتحت هذا العام، إذ سبقها في نيسان (أبريل) الماضي مجمع صالات سينما «فوكس» (شركة ماجد الفطيم) الذي يضمّ 15 شاشة عرض، مع خيارات سينما «فوكس ماكس» (أكبر شاشة عرض في لبنان) و«فوكس غولد»، من دون ان ننسى تجديد صالات «أمبير بريميير». ولم يكتف العام 2013 بولادة مجمعات سينمائية، بل قيل فيه أنه «عام السينما اللبنانية بامتياز»، لاحتضانه رقماً قياسياً من الأفلام التي تحمل تواقيع مخرجين لبنانيين، ولكن أيضاً ل«تصالح» المشاهد مع الفيلم اللبناني، وإن أطلت مشكلة القرصنة برأسها، خصوصاً مع ما تعرض له فيلم «غدي» (للمخرج أمين درة) من انتشار غير رسمي في سوق الدي في دي، ما قلّص عدد مشاهديه في الصالات، بعدما كان سجّل رقماً كبيراً في شهر واحد، وصل الى 65 ألف مشاهد. وفي مقابل الإقبال الجماهيري على الأعمال التي تُصنف ضمن فئة الأفلام الخفيفة او الأفلام التلفزيونية – أي المصنوعة اصلاً للتلفزيون والمعروضة سينمائياً في «غزوة» لا علاقة لها بالفن السينمائي على الإطلاق - («حلوة كتير وكذابة»، «حبة لولو»، «بيبي»)، ظلت الأفلام الجادة أو تلك التي لها علاقة بالحرب اللبنانية بعيدة من اهتمامات المتفرج. واللافت ان هذه الاخيرة لم تُسجّل أي اختراق(فيلم «عصفوري» لفؤاد عليوان مثلاً لم يصمد إلا في صالة يتيمة)، باستثناء فيلم لارا سابا «قصة ثواني» (رُشح باسم لبنان لأوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2013) الذي وإن لم تصل إيراداته الى ما وصلت إليه أفلام التلفزيون غير أنه حقق رقماً مقبولاً بعض الشيء في شباك التذاكر. واللافت أن هذه الحركة السينمائية الناشطة التي شهدتها بيروت، لن تتوقف عند عتبة ال2013 بل ستطأ أقدامها عتبة ال 2014، كما واضح من الأخبار التي بدأت ترشح من هنا وهناك. ويُتوقع ان يشهد العام الجديد افتتاح المزيد من دور العرض، بينها صالات تابعة لشركة ماجد الفطيم في ال«ووتر فرونت» (waterfront) في ضبية (شمال بيروت). في المقابل تستعد الصالات التجارية لاستقبال أكثر من فيلم لبناني، تتوزع بين السينما الروائية والوثائقية. «حلاوة الجنون» أبرز العائدين في 2014، نادين لبكي التي حققت في فيلميها السابقين(«سكربنات» و«هلأ لوين؟») نجاحات كبيرة، وصلت الى خارج الحدود اللبنانية. لكنها هذه المرة، لن تقدم فيلماً من النسيج اللبناني، بل فيلماً قصيراً تحت الطلب، يأتي في إطار مبادرة «مدن الحب» التي افتتحت مع «باريس... أحبك» (دورة 2006 لمهرجان كان السينمائي) و«نيويورك... أحبك» (عام 2009) وصولاً الآن الى «ريو... أحبك». المشروع الأخير الذي بدأ تصويره في أب (أغسطس) الماضي، يضم 11 مخرجاً من سبع جنسيات اجتمعوا لإعلان حبهم للعاصمة البرازيلية. ولعل نظرة الى قائمة الأسماء، تعطي صورة واضحة عن «النجاح» الجديد الذي تضيفه لبكي الى رصيدها السينمائي، خصوصاً أنها ستدير الممثل هارفي كايتل وتمثل معه، كما تقف الى جانب أسماء مهمة في عالم الفن السابع مثل كارلوس سالدانيا وباولو سورنتينو وإستفان إليوت وغيليرمو أرياغا. ومن الأفلام المرتقبة في الصالات اللبنانية خلال العام الجديد، فيلم «طالع نازل» (إخراج محمود حجيج) الذي يدور خلال يوم واحد، عشية رأس السنة، بينما تودّع بيروت عاماً وتستقبل عاماً جديداً، فتتسلل الكاميرا الى داخل الأماكن المغلقة (عيادة للأمراض النفسية او مصعد) في محاولة للولوج الى أعماق 7 نفوس حائرة تعيش اضطراباتها بينما صوت الاحتفالات والألعاب النارية تضعنا امام مدينة تعيش حلاوة الجنون. نفوس حائرة أيضاً سيتعرف إليها المشاهد اللبناني في فيلم «وينن؟» الذي سيكون حاضراً في الصالات التجارية العام المقبل في تجربة تحمل توقيع 7 مخرجين شباب (طارق قرقماز وزينة مكي وجاد بيروتي وكريستال إغناديوس وسليم هبر وماريا عبدالكريم وناجي بشارة) من جامعة سيدة اللويزة. «ردّيللي ابني بردلِك إبنك»... صرخة مؤلمة توجهها لطيفة ملتقى في أحد المشاهد الى تمثال السيدة العذراء المركون في مغارة الميلاد منذ 20 سنة في إشارة الى قضية مخطوفي الحرب اللبنانية التي لا تزال من المواضيع العالقة في مدينة لا تسأل عن أبنائها. ولن تكون الأفلام الجادة وحدها على شاشة 2014، بل سيكون هناك أيضاً شرائط «تلفزيونية» أخرى تعرف طريقها الى الصالات بقدرة قادر، أبرزها فيلم «صدفة» من كتابة كلوديا مرشيليان وإخراج باسم كريستو، فيما يتردد ان البطولة سترسو على الفنان اللبناني رامي عياش بمشاركة باميلا الكيك. في المقابل، يبدو ان حظوظ مجموعة من الأفلام الوثائقية ستكون كبيرة للعرض في الصالات السينمائية، - على خطى الفيلم الذي حققته اليان الراهب عن القيادي السابق في القوات اللبنانية أسعد شفتري وعرف طرقه بدوره الى صالات السينما قبل شهور من دون ان يحقق أي نجاح يذكر باستثناء نجاحه في اعادة إحياء بعض الجوانب الكئيبة من ذكريات الحرب اللبنانية - ومنها فيلم فيليب عرقتنجي «ميراث» وفيلم زينة دكاش «يوميات شهررزاد» وفيلم سارة فرنسيس «طيور أيلول». إذاً زحمة صالات وزحمة أفلام تشهدها السينما اللبنانية خلال العام المقبل. فهل ستوفر لها الظروف الأمنية فرصة الاستمتاع ب «ربيعها»؟