طوى الكرملين صفحة السجين الأشهر في العالم، رجل الأعمال الروسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي، الذي أطلق أمس بعفو رئاسي خاص «لأسباب إنسانية»، بعدما قضى عشر سنوات خلف القضبان بتهم الاختلاس والسرقة والتهرب من دفع الضرائب، حوّلته لدى أنصاره إلى «سجين سياسي» وأحد أبرز رموز المعارضة في البلاد. وأثار إطلاق خودوركوفسكي ارتياحاً في الغرب الذي أشاد ب «الخطوة في الاتجاه الصحيح» بينما اعتبر المفوض الروسي لحقوق الإنسان فلاديمير لوكين أن الخطوة «ستؤثر إيجاباً على المجتمع الروسي وتجعل مجتمعنا المريض بالخوف والكراهية وعدم الثقة أكثر صحة وإنسانية». ونفِذ القرار الذي انتظره العالم طويلاً، بعد ساعات على توقيعه بلا عراقيل بيروقراطية تواجهها ملفات مماثلة عادة، علماً أن طلب إطلاق خودوركوفسكي طُرح لسنوات في كل اللقاءات التي نظمها مدافعو حقوق الإنسان في روسيا، كما سعت بلدان أوروبية مرات إلى إقناع الكرملين بإغلاق هذا الملف. وكانت منظمة العفو الدولية اعتبرت خودوركوفسكي سجيناً سياسياً، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لم تجد ما يثبت استناد ملاحقته إلى خلفية سياسية. وفور إعلان نبأ اطلاق خودوركوفسكي، انتقل جيش من الصحافيين إلى سجن مدينة سيغيجا (شمال غرب)، حيث كان يحتجز رجل الأعمال السابق. لكنهم تبلغوا مغادرته المعتقل إلى المطار الذي انتقل منه إلى ألمانيا، حيث تخضع والدته لعلاج. ورغم أن العفو الرئاسي طوى قضية «أشهر سجين في العالم» كما تصفه الصحافة، لكن إطلاقه المفاجئ وبهذه الطريقة أثار فرضيات عدة. واعتبر البعض أن بوتين يسعى إلى تحسين صورته في الغرب من خلال الإيحاء باعتماده أسلوباً جديداً في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في روسيا، خصوصاً أن العفو الخاص تزامن مع قانون عفو شامل أقرّه البرلمان أخيراً، بطلب من الكرملين، وسيشمل نحو 75 ألف سجين. وأمل معارضون بأن تشكل الخطوة «مؤشراً إلى بدء بوتين مراجعة سياساته الداخلية». لكن أوساطاً قريبة من الكرملين شددت على أن طلب العفو الذي قدمه خودوركوفسكي يحمل اعترافاً ضمنياً بارتكابه جرائم، ما ينفي عنه صفة السجين السياسي أو المناضل من أجل الحريات. وكان المالك السابق لشركة «يوكوس»، عملاق النفط الروسي، اعتقل العام 2003 قبل أن تدينه محكمة روسية العام 2005 بالسجن لتسع سنوات مع شريكه بلاتون ليبيديف، بتهم الاختلاس والسرقة والتهرب الضريبي. وبعد عام، وجّهت تهمة جديدة إليه شملت سرقة كميات من النفط، ما رفع الحكم بسجنه إلى 14 سنة. ثم خففت محكمة الاستئناف العقوبة قبل شهرين، علماً أنه كان من المقرر أن ينهي فترة سجنه في القضيتين في آب (أغسطس) 2014. وعلى رغم المزاج الشعبي الروسي المعارض لنشاطات «حيتان المال»، قلّ الاهتمام بقضية سجن أحد أكبر أغنى رجال البلاد والذي ناهزت ثروته 15 بليون دولار. لكن توجيه تهمة ثانية إليه وإصدار حكم قاس فيها تسببا في ردود فعل غاضبة، إذ اعتبر كثيرون أن الكرملين يتعامل مع خودوركوفسكي كمنافس سياسي، ويعمل لإبعاده عن دائرة التأثير أطول فترة، خصوصاً أنه كان أعلن قبل شهور من اعتقاله نيته منافسة بوتين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت العام 2004.