لم يتفاجأ احد في روسيا أو خارجها بقرار محكمة في موسكو أمس، معاقبة المالك السابق لعملاق النفط الروسي «يوكوس» البليونير ميخائيل خودوركوفسكي، بالسجن 14 سنة، وذلك بعد ايام على ادانته مع شريكه بلاتون ليبيديف بتهمتي سرقة 200 مليون طن من النفط وتبييض اموال، ما أكد عزم المحكمة على المضي حتى النهاية في قضية اعتبرها بعض المراقبين سياسية. وفيما رجح بعضهم أن يميل القاضي الى اصدار حكم مخفف يراوح بين 8 و10 سنوات نظراً الى وجود خودوركوفسكي وشريكه في السجن بتهم سابقة منذ العام 2003، لكن القاضي اختار التمسك حرفياً بطلب النيابة العامة فرض اقصى عقوبة، ما دفع يوري شميت محامي خودوركوفسكي الى تحميل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين مسؤولية سجن موكله ست سنوات إضافية في قضية تعتبرها الدول الغربية اختباراً لسيادة القانون في روسيا. وقال شميت: «الواضح ان الحكم صدر تحت ضغط السلطات التنفيذية التي يرأسها، كما في السابق بوتين الذي أظهر للمحكمة من الزعيم ومن يقرر مصير خودوركوفسكي وحياته». وكتب المحامي في مدونته ساخراً: «المجد للقضاء الروسي النزيه والمستقل. الحكم كتبه المدعي العام فيكتور لاختين». وأثار الحكم فور صدوره ردود فعل قاسية من المعارضة اليمينية الموالية للغرب، ووصفه أحد رموزها البارزة بوريس نيمتسوف بأنه «فضيحة»، معتبراً أن قسوته تثبت أن «الحاكم الفعلي لروسيا هو بوتين، وأن الرئيس ديمتري مدفيديف مجرد موظف في الكرملين». وكان بوتين اصرّ أخيراً على أن «اللص يجب ان يبقى في السجن». واعتبرت عبارته اوامر مباشرة بالقرار القضائي المرتقب، على رغم أنه اوضح لاحقاً أنه قصد القضية السابقة ضد خودوركوفسكي، وليس الحالية». كذلك، ادهشت قسوة الحكم مفوض حقوق الإنسان في روسيا ميخائيل فيدوتوف الذي اعلن ان مجلس حقوق الإنسان لدى الكرملين سيشكل لجنة تضم خبراء مستقلين لتقويم الحكم، وتعهد اطلاع مدفيديف على النتائج مباشرة. وبعد صدور الحكم الجديد، أوضح القاضي أن خودوركوفسكي وشريكه سيبقيان في السجن حتى العام 2017، استناداً الى مادة قانونية تدمج عقوبتيهما القديمة والجديدة. يذكر أن «إمبراطور النفط في روسيا» سجن العام 2003، وحكم عليه العام 2005 بالسجن ثماني سنوات بتهمة الاختلاس والتهرب الضريبي. وهو كان ارتقى بسرعة الصاروخ سلم الثراء في منتصف التسعينات من القرن الماضي. وسيطر في نهاية العقد على اسهم مجموعة «يوكوس» التي باتت رابع أكبر شركة نفط في العالم، وانتجت 20 في المئة من اجمالي النفط الروسي. ويضع كثيرون علامات استفهام كبرى على اصول ثروة خودوركوفسكي خصوصاً أن القيمة الفعلية التي دفعها للسيطرة على اسهم العملاق النفطي لا تتجاوز 350 مليون دولار، لكن ذلك لم يحل دون تحوله إلى أغنى رجل في روسيا بحلول العام 2002 بثروة زادت عن 18 بليون دولار. وشهد العام ذاته لقاءً عاصفاً بين خودوركوفسكي والرئيس بوتين حينها في الكرملين، وتلته بحسب المعارضة اليمينية عملية تجميع الأدلة ضد خودوركوفسكي. ولم يخفِ خودوركوفسكي العام 2003 تطلعاته السياسية، وطرح اسمه قبل شهور من اعتقاله كأحد ابرز مرشحي معسكر اليمين الليبرالي لخوض سباق الانتخابات الرئاسية في العام التالي. لكن اعتقاله والحكم عليه بالسجن عطل خططه السياسية، علماً ان الحكم الجديد سيبعده عن مركز الثقل السياسي سنوات، بعدما كان من المقرر ان ينهي فترة عقوبته الأولى العام المقبل. وحوّل النشاط السياسي الذي يعتبره مقربون من السلطة «مجرد غطاء لإبعاد الأنظار عن السرقات والفساد المالي»، خودوركوفسكي إلى احد رموز المعارضة، وصولاً الى تدخل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي مرات في محاولة لتخفيف الحكم عليه ووقف الملاحقات القضائية ضده، والتي واجهها الروس بغضب بسبب «محاولات التدخل في شؤون القضاء».