من أشهر شخصيات السينما المصرية التي أظهرت رب الأسرة كشخص متسلط عنيف يستعبد المرأة، ويتلذذ بإهانتها، وتسعى حواء لإرضائه بشتى الطرق، ولا تجد غير خيبة الأمل والظلم الفادح الذي لا ينتهي، كلحم جمل غث على رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ، أو كالآخر الذي إن سكتت علقت، أو نطقت طلقت كما جاء في حديث أم زرع. وأسهمت هذه الصورة في تكوين مفهوم خاطئ عن مصطلح شرعي جاء في كتاب الله «القوامة»، وساعد في تعزيز هذه الصورة السلبية الممارسة الخاطئة من بعض الذكور. وصورت «القوامة» في الإسلام على أنها تسلط الرجل على المرأة، وأنها تتعارض مع مبدأ حرية المرأة ومساواتها بالرجل، وأن هذا المبدأ ليس إلا بعض مخلفات عهد استعباد النساء وعصر الحريم. وللتدليل على مفهوم القوامة يُستشهد بممارسات بعض المسلمين، وهذا منهج مخالف لقواعد البحث العلمي الموضوعية؛ ذلك أن تفسير «القوامة» العلمي لا بد من أن يفهم في ضوء الكتاب والسنة على حسب ما تقتضيه مناهج البحث العلمي لا البحث المبني على ممارسة الأفراد وتطبيقاتهم، ولو أن هؤلاء وظفوا أبحاثهم وطاقاتهم لتفسير القوامة الصحيح الذي حمى الله به حق المرأة، وطالبوا به، لشكرت النساء مساعيهم، وإليك تحريراً لمعنى القوامة ومفهومها ومقصدها الشرعي العظيم. يقول تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم». - تأمل مطلع الآية «الرجال» ولم يقل الذكور قوامون على الإناث؛ لأنه ليس كل ذكر قد يكون قائماً على الأنثى، إذ قد يكون طفلاً ناقص الأهلية، وفي هذه الحالة تكون المرأة هي الوصية. - القوامة في اللسان العربي تأتي بمعنى المحافظة، والسياسة، ويشتق منها «القيم» الذي يسوس الأمور، ويختبر الطرق، ليعرف أصلحها وأنسبها، بل «القوام» بمعنى العدل، مما يعني أن المرشح لا بد من أن يكون عدلاً في نفسه أولاً، ثم عادلاً مع غيره، ومما لا ينازع فيه عاقل أن كل تجمع لا بد فيه من قائد، عليه مسؤوليات وله صلاحيات، ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، أفنقبل من يقود دفة المنظمة في كل تجمع، ونرفضه في أهم تجمع تجمع الأسرة؟ ولا ينقص وجود المسؤول قيمة من هو مسؤول عنهم، والأسرة تجمع بين جنسين، الرجل فيها هو المهيأ بما أودعه الله فيه من صفات، وبما أوجب عليه من النفقات، وذاك قوله «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم». - القوامة تكليف لا تشريف، ومغرم لا مغنم، ومسؤولية وقيادة وليست تعسفاً واستبداداً، فقبل آية القوامة أمر الله الرجال بالعشرة بالمعروف وفصّل في تحديد معالمها، وبعدها أوضح الرب جل وعلا علاج نشوز الزوجة، فلم يكل الرجل إلى حق قوامته المتقرر، مما يدلل على أن الإسلام يعطي أهمية كبرى لتنظيم ممارسة هذا الحق من الرجل. - القوامة ليست قضية عرف وعادة أو قانون وضعه الرجل للسيطرة على المرأة، وإنما تشريع رباني روعيت فيه خصائص الخلق والتكوين لكل منهما، وروعيت فيه مصلحة الأسرة، فعلى الرجل والمرأة أن يدركا معنى المصطلح الرباني، ليقوم الرجل به، ولتربي المرأة أبناءها الذكور عليه حتى لا تقع شقيقتها الأنثى ضحية لزوج متسلط أو متغنج، وسينعمان بلا شك بفلاح وفوز. وعلى كل منا أن يدرك أن علاقة الرجل بالمرأة تكاملية لا تنافسية فليس بينهما عداء، وإنما هما الأبوان والزوجان، والأخوان، والولدان «وجعل بينكم مودة ورحمة»، ولسنا في حاجة إلى استيراد ثقافة مجتمعية من الخارج ننظم بها أسرنا، وقد نظمها الله لنا، أفنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected] _Nawal_Al3eed@