يكثر الجدل حول هذه الآية «الرجال قوامون على النساء» في وسائل الإعلام والمجالس اليومية المتكررة، وتفسّر «القوامة» عند البعض على أنها تسلط الرجل على المرأة، وأنها تتعارض مع مبدأ حرية المرأة ومساواتها بالرجل، وأن هذا المبدأ ليس إلا بعض مخلفات عهد استعباد النساء، وتفرد الرجل بالسلطة لم يعد مقبولاً في زمان استعادت فيه المرأة مكانتها الاجتماعية، ودرست المفاهيم نفسها التي يدرسها الرجل، ونالت أعلى الشهادات، واكتسبت خبرة واسعة في الحياة. وللتدليل على مفهوم القوامة يُستشهد بممارسات بعض أفراده، والمنتسبين إليه، وليت شعري أي ظلم ظلموا أنفسهم به حين فسّروا الدين من خلال مزاولات أفراده، وهم المنتسبون للعلم، المنادون إليه؟ إن تفسير «القوامة» العلمي لا بد أن يفهم في ضوء الكتاب والسنة على حسب ما تقتضيه مناهج البحث العلمي لا البحث المبني على ممارسة الأفراد وتطبيقاتهم، ولو أن هؤلاء وظّفوا أبحاثهم وطاقاتهم لتفسير القوامة الصحيح الذي حمى الله به حق المرأة، وطالبوا به، لشكرت النساء مساعيهم، ولو أنهم كرّسوا أوقاتهم لتصحيح الممارسات السلبية القائمة على الفهم الخاطئ لمعنى القوامة لرفعوا ظلم كثير من الرجال واستبدادهم، وإليك تحريراً لمعنى القوامة ومفهومها ومقصدها الشرعي العظيم، يقول تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم». - تأمل مطلع الآية (الرجال ) ولم يقل الذكور قوامون على الإناث، لأنه ليس كل ذكر قد يكون قائماً على الأنثى، إذ قد يكون طفلاً ناقص الأهلية، وفي هذه الحالة تكون المرأة هي الوصية، أو ذكراً غير مؤهل للقوامة لمانع، فكل رجل قوام، وليس كل ذكر. - القوامة في اللسان العربي تأتي بمعنى المحافظة، والسياسة، ويشتق منها (القيم) الذي يسوس الأمور، ويختبر الطرق ليعرف أصلحها وأنسبها، بل (القوام) بمعنى العدل، ما يعني أن المرشح لا بد أن يكون عدلاً في نفسه أولاً، ثم عادلاً مع المرأة. - ومما لا ينازع فيه عاقل أن كل تجمع لا بد فيه من قائد، عليه مسؤولياته وله صلاحياته، والأسرة تجمع بين جنسين، الرجل فيها هو المهيأ بما أودعه الله فيه من صفات، وبما أوجب عليه من النفقات وذاك قوله «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، ولك أن تراجع أقوال المفسّرين لتظفر بفهم دقيق للآية، ولولا ضيق المساحة لأوردت لك بعضها، بل إن المرأة تتوق إلى هذه القوامة على أصلها الفطري، وتشعر بالحرمان وقلة السعادة حين تعيش مع الرجل الأنثى الذي يكل إليها هذه القوامة، فتصبح هي القوامة. - لقد خلق الله الناس ذكراً وأنثى، زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون، وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولاً وخطيرة ثانياً، وليست هينة ولا يسيرة بحيث تؤدَّى من دون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى، فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني - الرجل - توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة؛ ولا تكلف بأن تحمل وتضع وترضع وتكفل، ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد، وكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك، وكان هذا فعلاً ... ولا يظلم ربك أحداً. - القوامة تكليف لا تشريف، ومغرم لا مغنم، ومسؤولية وقيادة وليست تعسفاً واستبداداً، فقبل آية القوامة أمر الله الرجال بالعشرة بالمعروف وفصل في تحديد معالمها، وبعدها أوضح الرب جلّ وعلا علاج نشوز الزوجة فلم يكل الرجل إلى حق قوامته المتقرر، مما يدلل على أن الإسلام يعطي أهمية كبرى لتنظيم ممارسة هذا الحق من قبل الرجل. - القوامة ليست قضية عرف وعادة أو قانون وضعه الرجل للسيطرة على المرأة، وإنما هو تشريع رباني روعيت فيه خصائص الخلق والتكوين لكل منهما، وروعيت فيه مصلحة الأسرة، فعلى الرجل والمرأة أن يدركا معنى المصطلح الرباني، ليقوم الرجل به، ولتربي المرأة أبناءها الذكور عليه حتى لا تقع شقيقتها الأنثى ضحية لزوج متسلط أو متغنج، وسينعمان بلا شك بفلاح وفوز «إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون». وعلى كل منا أن يدرك أن علاقة الرجل بالمرأة تكاملية لا تنافسية فليس بينهما عداء، وإنما هما الأبوان والزوجان، والأخوان، والولدان «وجعل بينكم مودة ورحمة». * داعية وأكاديمية سعودية. [email protected]