اعتبر الخبير الاقتصادي السوري سمير سعيفان أن «خريطة السيطرة على النفط السوري متحركة ورجراجة، وتخضع لتبادل السيطرة بين قوات المعارضة والنظام في الفترة الأولى، ثم بين قوات المعارضة والقوى الإسلامية المتطرفة لاحقاً»، موضحاً أن النفط المنتج ومشتقاته في مناطق المعارضة «لا يُباع للنظام، ولا يُصدّر للخارج، وإنما يستهلك فقط في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة». ولفت سعيفان في حديث الى «مدرسة الحياة» إلى أن المنفذ المفتوح للنفط السوري هو تركيا وكردستان العراق، وأن حكومتي اسطنبول وأربيل تمنعان المتاجرة به على أراضيهما. وخلص إلى أن «طريقة السيطرة على آبار النفط وإدارتها ومآلات مواردها، يعكس واقع المعارضة الذي يتسم بالشرذمة». وفي ما يلي نص الحديث: *أين يتوزع النفط في سورية؟ في ثلاث مناطق رئيسية، الأولى تديرها المؤسسة العامة للنفط الحكومية وتقع في محافظة الحسكة، حيث ينتج النفط السوري الثقيل؛ والثانية في محافظة دير الزور، حيث ينتج النفط الخفيف، وهي منطقة استثمار الشركات الأجنبية، وخصوصاً «شل» و«توتال»؛ والثالثة في محافظة حمص، حيث ينتج الغاز بالدرجة الرئيسية، وتمتد حول منطقة تدمر في أواسط البادية السورية باتجاه مدينة حمص، وثمة حقول قليلة في مناطق أخرى من البادية السورية. وكانت سورية تنتج نحو 380 ألف برميل نفط خام (نحو 200 ألف نفط ثقيل، و180 ألف برميل نفط خفيف)، ونحو 25 مليون متر مكعب غاز، مطلع عام 2011، وهي كميات كانت بالكاد تكفي الاستهلاك المحلي. *كيف تتوزع حالياً خريطة النفط بين الأطراف المتقاتلة؟ خريطة السيطرة على النفط متحركة ورجراجة، مع تبادل السيطرة بين قوات المعارضة والنظام في الفترة الأولى، ثم بين قوات المعارضة والقوى الإسلامية المتطرفة. في بدايات سيطرة قوات المعارضة على حقول النفط في منطقة دير الزور توزعت السيطرة بيد كتائب متفرقة، تتبع للعشائر التي كانت شكلت كتائبها المستقلة، ولم تكن السيطرة على الحقول تتبع لقيادة مركزية موحدة. وكانت إيرادات النفط المتحصل من الآبار، والذي كان يكرر بطريقة بدائية أولاً، تعود للكتائب والعشائر وبخاصة قادة الكتائب وشيوخ العشائر، من هنا تحولت السيطرة على آبار النفط إلى موضوع للطمع بالثروة، ولم تشكل مورداً لخزينة مركزية أو صندوق موحد يدعم المعارضة ككل. وسعت «جبهة النصرة» لتعزيز سيطرتها، لزيادة حصتها من آبار النفط، ثم جاء تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ليطرد الجميع، ويسيطر على معظم حقول دير الزور والرقة، لكن هذه السيطرة تبقى غير مستقرة، لأن العشائر لم تقبل بموقف «داعش» الذي يسعى للإستئثار بموارد الآبار. *كم يقدر حجم الإنتاج الحالي بعد سيطرة المسلحين على الآبار؟ وهل صحيح أن المسلحين يبيعون النفط إلى النظام؟ بقيت آبار الحسكة في غالبيتها، كما بقيت حقول الغاز في المنطقة الوسطى التدمرية، خارج سيطرة المعارضة. لكن حقول الحسكة التي بقيت تنتج النفط وبعض الغاز أصبحت تحت سيطرة حزب «الإتحاد الديموقراطي الكردي»، وموقفه ملتبس، فهو ينسق مع النظام من جهة، بينما هو في الواقع يعمل لفرض سيطرته المطلقة على المكان، تمهيداً لإقامة كيان شبه مستقل، على غرار إقليم كردستان العراق، إن أمكنه ذلك، ومن ثم الانضمام إلى الدولة الكردية الموعودة مستقبلاً. ومن المنطقي أن يذهب هذا الإنتاج إلى المصفاتين السوريتين حمص وبانياس، لكن أنابيب نقل نفط هذه الحقول الواقعة شمال شرقي سورية تعبر مئات الكيلومترات في مناطق تسيطر عليها قوات المعارضة. وفي بدايات سيطرة هذه القوات على مناطق مرور أنابيب النفط أبرم النظام اتفاقاً معها، وبخاصة «جبهة النصرة» بحيث سمحت الكتائب باستمرار تدفق النفط الخام السوري، مقابل أموال تدفع لهذه الكتائب. ومنح هذا «جبهة النصرة» قوة ساعدتها على النمو والتمدد. الوضع الآن غير معروف تماماً، لكني أفترض أن حقول النفط في الحسكة ما زالت تعمل وتنتج، وأفترض أن إنتاجها يذهب باتجاه مصفاتي حمص وبانياس. والنفط المنتج ومشتقاته يستهلك في مناطق المعارضة فقط، فلا يُباع للنظام، ولا يُصدّر للخارج، لأن المنفذ المفتوح هو تركيا وكردستان العراق، وحكومتا اسطنبول واربيل تمنعان المتاجرة بالنفط السوري على أراضيهما، لكن كميات صغيرة يتم تهريبها عبر الحدود. *إذا كانت معظم الآبار خرجت عن سيطرة النظام، كيف يؤمن النظام النفط لاستمرار عمل آلته الحربية؟ إضافة لما يحصل عليه من نفط الحسكة، يحصل أيضاً على المكثفات التي ترافق إنتاج الغاز، في حقول الغاز التي يسيطر عليها في المنطقة الوسطى، وكميته قليلة، وربما لا تزيد عن عشرة آلاف برميل يومياً. لكن يعتمد النظام على استيراد النفط الخام لسدّ أي نقص ليكرره في المصفاتين في بانياس وحمص، ويأتي النفط الخام غالباً من إيران، ضمن الخط الائتماني. وأقدّر ان حاجات النظام اليوم لا تزيد عن 150 إلى 200 ألف برميل نفط يومياً، بعدما كان نحو 350 ألف برميل، مطلع 2011. ويأتي جزء كبير من هذه الكمية من الحقول التي يسيطر عليها، وهذا يخفف عنه العبء المالي للاستيراد. *هل تسيطر الحكومة الموقتة المعارضة على آبار نفط؟ الحكومة الموقتة للمعارضة ليس لها أي سيطرة على أي من حقول النفط، وليس لها أي دور. وعائدات حقول النفط تذهب لأمراء الحرب، وشيوخ العشائر. *إذا كانت الشركات الأجنبية التي تستخرج النفط غادرت البلاد، كيف يستخرج المسلحون النفط؟ هل فعلا يتم استخراجه بطريقة جائرة؟ الحقول التي تسيطر عليها المعارضة هي حقول تخص الشركات الأجنبية «شل»، و«توتال» و«بتروكندا» والشركة الصينية وغيرها. وانسحبت هذه الشركات من سورية منذ 2011، فتوقفت حقولها عن الإنتاج. لكن يتم إنتاج النفط من الآبار الذاتية الإنتاج، ويتم تكريره في حراقات بدائية محلية، أو في مصاف بسيطة يتم تصنيعها في تركيا، وطاقتها الإنتاجية بسيطة لا تزيد عن بضع مئات من البراميل يومياً، وتشتري هذه المصافي النفط الخام من الآبار الذاتية الإنتاج، بسعر يقرب من 25 دولاراً للبرميل، سعة 200 ليتر، ويتم تكريره ويُباع محلياً بسعر 80 دولاراً لبرميل المشتقات، من مازوت وكاز وبنزين، وجميع هذه الإيرادات تذهب للجهات التي تسيطر على الآبار، أو تملك المصافي. وتُقدّر كمية النفط الخام المُنتج في مناطق المعارضة بنحو 40-50 ألف برميل يومياً، وتُقدّر عائداتها بنحو 2-3 ملايين دولار يومياً، أي نحو 100 مليون دولار شهرياً. ومن هنا نفهم الكثير عن دوافع الصراع للسيطرة على آبار النفط، وأخيراً جاء «داعش» ليسيطر على معظم الحقول والآبار والمصافي، محققاً ايرادات ضخمة تساعده في تعزيز سيطرته. ويسعى «داعش» في العراق الآن للسيطرة على مزيد من حقول النفط، لتحقيق إيراد ذاتي كبير، وبالتالي فإن تخليص هذه الحقول من يد «داعش»، يُعدّ من الأولويات في طريق القضاء عليه. *وهل يؤثر ذلك على الآبار واحتمال نضوبها؟ وبعد عودة الاستقرار إلى البلاد هل يمكن عودة الحقول إلى سابق عهدها؟ لا شك أن تدهور قطاع النفط والطريقة والعقلية التي تدير بهما قوات المعارضة حقول النفط، لا تمثل خسارة للنظام وحسب، فقد كان النفط المورد الرئيسي للخزينة العامة من العملات الصعبة، بل وخسارة وطنية قبل كل شيء. فالحقول التي تسيطر عليها المعارضة، والحقول المتوقفة عموماً، لن تعود لسابق إنتاجها، والأضرار على الصحة والبيئة لا تُقدّر. كما تم نهب المستودعات وسرقة الآليات والمعدات والمكاتب، على رغم أن حاجة مناطق المعارضة للمشتقات النفطية يدفعها لاستثمارها بالطرق البدائية المُتاحة، غير أن طريقة السيطرة على حقول وآبار النفط من قبل المعارضة وإدارتها ومآلات مواردها، إنما يعكس واقع المعارضة ككل، الذي يتسم بالشرذمة، وغياب برنامج وطني موحد، وغلبة الأطماع الشخصية لأفراد ومجموعات، أو مشاريع تسلط استبدادي باسم الدين لدى فصائلها المتطرفة، وتهميش الفصائل ذات التوجه الوطني المدني الديموقراطي، وحرمانها من أي دعم، وغلبة كل هذا على الأهداف الوطنية التي خرج الناس في ربيع 2011 من أجلها. إن مآل النفط السوري في يد المعارضة يختصر المآل الذي انتهت اليه انتفاضة السوريين.