«لا يمكن العيش في بلغاريا. إذا ما أعادوني إليها، فمن الأفضل لي أن أعود إلى سورية». هذا ما قاله لاجئ سوري أمام صحافي من إذاعة (دويتشه فيلله) بعد أن نجح في التسلل إلى ألمانيا في شكل غير شرعي. وهذا ما تشعر به الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين وكل المهاجرين التي دخلت بلغاريا خلال الأشهر المنصرمة من أفغانستانوالعراق ودول شمال أفريقيا وغيرها من الدول التي تصنف ب (الفاشلة). تدفق اللاجئين والمهاجرين من دولنا العربية والإسلامية وارتفاع وتيرة هذا السيل من اللاجئين السوريين خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى بلغاريا أثار نزعات عنصرية كامنة في المجتمع أخرجها من القمقم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم في البلاد وسقوط مؤسسات الدولة في يد المافيا إلى درجة أن النكتة الأكثر ترداداً على ألسنة المواطنين تقول: «في كل دولة في العالم توجد مافيا، إلا دولتنا فالمافيا فيها هي التي تملك الدولة». وهو السبب الرئيس الذي دفع آلالاف المحتجين الذين يواصلون ومنذ حوالى 6 أشهر، التظاهر أمام مباني مجلس الوزراء والبرلمان مطالبين بسقوط الحكومة وإنهاء سيطرة الأوليغارشية على موارد الدولة وتشكيل منظومة سياسية جديدة لا مكان فيها لسياسيي البلاد الحاليين الغارقين في الفساد والمحسوبية والزبائنية والنهب المنظم للمال العام، وانضم إلى حركة الاحتجاجات طلاب الجامعات الذين احتلوها مانعين أساتذتها وموظفيها من الدخول إلى حين حل البرلمان وتقديم الحكومة استقالتها، وهو ما لم تستجب له السلطة الحاكمة التي ضخت بآلاف من عناصر الشرطة وقوات مكافحة الشغب لمنع ما تقول إنه مخطط للمعارضة لاقتحام مبنى البرلمان وأخذ النواب رهائن على غرار أحداث عام 1989، عندما وقع مبنى البرلمان بأيدي المحتجين واضطر الحزب الاشتراكي (الشيوعي سابقاً) إلى تسليم الحكم إلى المعارضة والانتقال إلى المعارضة. كابوس اللاجئين السوريين تدفق اللاجئين السوريين إلى بلغاريا تحول إلى (كابوس للجميع) وكشف عن عورات الائتلاف الحكومي الذي يقوده الحزب الاشتراكي (الشيوعي سابقاً) بالتحالف مع الحزب الإثني التركي (حركة الحقوق والحريات) بدعم مستتر من الحزب النازي (أتاكا) وتعني (الهجوم) الذي وفر للحكومة الصوت الوحيد الذي تحتاجه للحصول على الثقة في البرلمان الذي يضم حزب المعارضة (مواطنون من أجل التطور الأوروبي لبلغاريا) كون الحزبين المتحالفين يحتلان 120 مقعداً من أصل 240 مقعداً، ما جعل تحالفهما الحكومي رهينة بقبضة القوميين المتشددين (النازيين) الذين حولوا البرلمان إلى منبر لتأجيج مشاعر الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين والمهاجرين العرب والمسلمين منهم في شكل خاص، وقامت محطة التلفزيون التي يمتلكونها وتحمل اسم (ألفا) بتخصيص برامج تقدمها نائب في البرلمان، وهي بالمناسبة رئيسة لجنة الصداقة البرلمانية البلغارية – السورية، تبث ليلاً ونهاراً بالتنسيق مع سفارة النظام السوري في صوفيا حيث تصف اللاجئين السوريين الذين في غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، ويشكل الأكراد حوالى 80 في المئة منهم، بأوصاف عنصرية تعبر عن موقف سلبي دفين ومتأصل، إذ تنعتهم بأوصاف مثل «آكلي لحوم البشر والإرهابيين الإسلاميين الذين يهددون قيمنا المسيحية ويسعون إلى احتلال بلغاريا وفق مخطط تركي»، وسط صمت غريب من الحكومة وقيادة البرلمان ودائرة النائب العام والمؤسسات المعنية بمتابعة مدى التزام وسائل الإعلام الإلكترونية بالمعايير والقوانين الأوروبية التي تحرم بث ونشر الأفكار العنصرية ومشاعر الكراهية ونبذ الآخر المختلف في الدين والعرق واللون، وهو ما دفع الكثير من كتاب الرأي في الصحف المحلية إلى الخروج بمقالات وتعليقات تنتقد في شكل لاذع الحكومة على صمتها، ووصل الأمر برئيس تحرير جريدة «24 ساعة» الأوسع انتشاراً في البلاد بوريسلاف زمبيوليف إلى السخرية مما سماه (أسطورة) ظل البلغار يرددونها في المناهج الدراسية والمجتمع ككل عن الشعب البلغاري (الكريم والمضياف) معتبراً أن الموقف المجتمعي والسياسي السلبي من مأساة اللاجئين السوريين الفارين من إرهاب النظام وحربه مؤشراً إلى انهيار القيم الأخلاقية في المجتمع البلغاري وعدم اكتسابه المعايير الأوروبية الحضارية والإنسانية، معتبراً أن هؤلاء اللاجئين يمكن أن يكونوا عاملاً إيجابياً للمجتمع البلغاري المهدد بالانحسار بسبب تراجع معدلات النسل منذ سنوات. والواقع أن الصوت الرسمي الوحيد ضد طقوس الكراهية ونشر أفكار العنف ضد اللاجئين والأجانب، كان صوت رئيس الجمهورية روسين بلفلنييف الذي دعا الحكومة إلى القيام بمسؤوليتها الأخلاقية واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف حملة التحريض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين ومعاقبة مرتكبي الاعتداءات عليهم والتي راح ضحيتها طفل سوري يبلغ من العمر 9 سنوات طعنه مجهول من الخلف أثناء وجوده أمام مركز للاجئين في العاصمة صوفيا، ومن ثم قيام مجموعة من النازيين الجدد بمهاجمة فندق يقطن فيه لاجئون ومهاجرون وسط العاصمة صوفيا وقع ضحيته مواطن بلغاري من أصول إثنية تركية صادف وجوده في المنطقة، وهو يرقد في غيبوبة كاملة في غرفة العناية المركزة في مستشفى في حال خطرة للغاية. وتكررت هذه الأحداث لمرات عدة بسبب عدم اتخاذ السلطات المعنية الإجراءات القانونية والعقابية ضد مرتكبيها، إذ وقع سوريون ولبناني فريسة سهلة لهؤلاء النازيين الجدد أثناء خروجهم من متجر في أحد أحياء العاصمة حيث هاجمهم أكثر من عشرين شخصاً يرتدون ملابس سوداً مدججين بالسكاكين والقبضات الحديد، وأصابوهم بجروح خطيرة استدعت نقلهم إلى مستشفى، وحاولت الشرطة إضفاء طابع جريمة السرقة على الحادث، بدلاً من الإقرار بأنهم كانوا هدفاً لاعتداء عنصري لجماعة نازية معادية للاجئين والمهاجرين الأجانب. وبدلاً من تقديم ثلاثة منهم تم اعتقالهم إلى المحكمة أطلق سراحهم بعد 24 ساعة بحجة عدم توافر الأدلة على ارتكابهم الجريمة على رغم أن بعضهم من أصحاب السوابق ولديه سجلات في وزارة الداخلية. وتجاهلت الشرطة أن الضحايا تعرفوا إلى وجهي اثنين من المهاجمين. واتهم السفير الجزائري في صوفيا أحمد بوتاش في حديث صحافي، الشرطة البلغارية بالاعتداء بالضرب على مهاجرين جزائريين معتقلين في مركز لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين، وقال: «إن وزارة الداخلية عملت على طمس هذه الجريمة التي تعرض لها 6 جزائريين أصيبوا بجراح بالغة نتيجة ضربهم بالهراوات على رؤوسهم ونقلوا إثرها إلى مستشفى». وقال: «إن حراس المركز تعمدوا استفزاز اللاجئين الجزائريين البالغ عددهم 120 شخصاً، بإهانتهم ما دفعهم إلى إعلان إضراب عن الطعام، إلا أن وزارة الداخلية نفت استخدام القوة المفرطة عند إخمادها التمرد، وحذرت الديبلوماسيين والمسؤولين البلغار من إطلاق تصريحات من شأنها أن تدفع باتجاه تصعيد التوتر في مراكز اللجوء والهجرة، واصفة اتهامات السفير ب «العارية من الصحة» وطالبته بمساعدة السلطات المعنية على ترحيل هؤلاء الجزائريين كونهم مهاجرين غير شرعيين، لا سيما أن عددهم وصل إلى 400 شخص. قلق الديبلوماسيين العرب يعيش اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين والديبلوماسيون العرب حالاً من الرعب منعتهم من الخروج من منازلهم خوفاً على أطفالهم وعوائلهم، ارتفع منسوبها بعد تزايد الاعتداءات وحملات التحريض التي تشنها الأحزاب القومية المتشددة، ووقوف الحكومة والبرلمان والسلطات الأمنية ودائرة النائب العام متفرجة وصامتة حتى بعد قيام منظمة قومية متشددة بتشكيل ما سمته (دوريات أمنية) لمراقبة أحياء اللاجئين والمهاجرين إثر تعرض فتاة بلغارية لاعتداء قام به مهاجر قالت الشرطة إنه جزائري اعتقل لاحقاً أثناء محاولته التسلل إلى اليونان. وأخذت عناصر هذه الفرقة النازية تجوب الشوارع بحثاً عن اللاجئين والمهاجرين العرب والأفارقة يرتدي أفرادها الملابس السود ويحملون شارات خاصة على أياديهم طالبين من المارة أوراقهم الثبوتية، وذلك تحت أنظار رجال الشرطة في انتهاك سافر لقوانين الدولة التي تحظر مثل هذه الأعمال وتقصرها على الأجهزة الأمنية، ما دفع مجلس السفراء العرب إلى مناقشة إصدار بيان يطالب الحكومة بحماية مواطني بلدانهم، وفقاً للالتزامات الدولية ولكنه لم يصدر بسبب خلافات ومعارضة بعض السفراء الذين فضلوا عدم التصعيد. إلا أن منظمة (أمنستي أنترناشنال) أصدرت بياناً شديد اللهجة وجهت فيه انتقادات لاذعة للحكومة لتقاعسها عن ممارسة مسؤوليتها في تأمين الحماية للاجئين والمهاجرين والأجانب المقيمين في البلاد، وطالبت السلطات الحاكمة بإرسال رسالة واضحة إلى منفذي هذه الاعتداءات ولكل من سيكررها في المستقبل بأنها ستتخذ الإجراءات العقابية ضدهم وفق القانون، ومن ثم أصدرت بياناً انتقدت فيه بلغاريا على تعاملها المهين مع اللاجئين السوريين وقالت: «يعيش اللاجئون السوريون في بلغاريا في ظروف بائسة حيث يجرى حشرهم في مبانٍ قديمة آيلة للانهيار، وفي قاطرات لا تتوافر فيها أبسط الظروف الإنسانية». وأعربت عن أسفها لأن العدد الأكبر من هؤلاء اللاجئين الذين فروا للنجاة بحياتهم وحياة أطفالهم يتم إما إعادتهم إلى ما وراء الحدود، أو اعتقالهم في ظروف بائسة للغاية من دون توفير وجبات الطعام لهم والحليب للأطفال الرضع ولا حتى مياه الشرب والرعاية الطبية. واعتبر مدير مكتب أوروبا في المفوضية السامية للاجئين الدولية فنسان كوشتل الذي وصل على عجل إلى بلغاريا لحضّ السلطات الحاكمة على التعاطي الإنساني اللائق مع اللاجئين السوريين والمهاجرين العرب والأفارقة في تصريح إلى «الحياة»، أن انعدام التسامح وقبول الآخر المختلف في العرق والدين واللون والتحريض على الكراهية والعنف ضدهم، عار على كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، مشدداً على «أن السلطات المعنية في بلغاريا يجب أن يكون رد فعلها على أي اعتداء ذي طابع عنصري قاسياً للغاية لكي تبعث برسالة واضحة بأنها جادة في معاقبة من يرتكبه، بصرف النظر عن الجهة التي ينتمي إليها أو تقف وراءه». تنديد وحراك في هذا السياق أصدرت 200 منظمة مجتمع مدني بياناً وجهته إلى النائب العام ورؤساء الدولة والحكومة والبرلمان ووزير الداخلية وقادة الأحزاب السياسية وجميع الصحف المحلية وعبرت فيه عن قلقها البالغ من تنامي التوجهات الفاشية والنازية في المجتمع البلغاري وظهور وتشكل تشكيلات قومية متطرفة تحاول أن تحدد شكل النظام العام في البلاد، وطالبت بأن تقوم المؤسسات المعنية بوقف النشاطات الفردية والجماعية التي تقوم بها جماعات ومنظمات متطرفة شكلت دوريات تجوب شوارع العاصمة لاستفزاز اللاجئين والمهاجرين والأجانب بغية الاعتداء عليهم، إضافة إلى منع الاحتجاجات والمسيرات ذات الطابع الفاشي والنازي المعادي للأجانب في البلاد، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يعتدي على أي من اللاجئين والمهاجرين على أساس عنصري وديني وإثني. ودعت وزير الداخلية إلى نشر قوى الشرطة في مناطق اللاجئين والمهاجرين ومنع الدوريات التي شكلتها جماعات سياسية متطرفة، لأنها تؤدي إلى الفوضى والصدام في المجتمع وتنتهك المبادئ الديموقراطية والمعايير الأوروبية. كما خرج الآلاف من الطلاب والمثقفين والمواطنين البلغار في مسيرة جماعية طافت شوارع العاصمة وتوجهت إلى مباني الحكومة والبرلمان تدين صمت هذه المؤسسات على الجرائم العنصرية ضد الأجانب واللاجئين، وطالبت النائب العام بعدم إجازة حزب نازي جديد أعلنت تأسيسه في شكل علني جماعات الرؤوس الحليقة وتيارات وتشكيلات متطرفة لتعارضه مع قوانين البلاد العضو في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. واتهمت المنظمة السلطات المعنية بالتعمد في عدم تحمل مسؤولياتها واعتقال مرتكبي الاعتداءات وتحويلهم إلى القضاء لنيل ما يستحقونه من عقاب. وقال نائب رئيس برنامج أوروبا وآسيا في المنظمة يزيركا تيغاني: «إن السلطات البلغارية تحاول التقليل من أهمية هذه الأحداث النابعة من مشاعر الكراهية العنصرية والدينية والعرقية، وتقدمها وكأنها جرائم سرقة عادية»، داعياً الحكومة إلى الخروج ببيان واضح يدين جرائم الكراهية والإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب لمجرد اختلاف الدين واللون والعرق والتشديد على أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيالها، والعمل على توفير الحماية للاجئين والمهاجرين الموجودين على الأرض البلغارية. وأبلغ مصدر ديبلوماسي أوروبي «الحياة» بأن «المفوضية الأوروبية وجهت تحذيراً صريحاً إلى الحكومة البلغارية من أنها ستتحمل عواقب أي اعتداء عنصري يتسبب في قتل لاجئ أو مهاجر، إذ ستكون ليس فقط في مرمى (أمنستي أنترناشنال) ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الأخرى، بل أيضاً ستواجه عقوبات قاسية من المفوضية، إذ ربما ستكون الدولة الثانية العضو في الأوروبي بعد النمسا التي ستحرم من حق التصويت في الاتحاد». ودخلت مفوضة التعاون الدولي عند الأزمات والنزاعات والكوارث الطبيعية في الاتحاد الأوروبي البلغارية كريستالينا جيورجييفا على خط مناشدة الحكومة القيام بواجباتها والتزاماتها الدولية والأوروبية في حماية اللاجئين السوريين وتوفير ظروف طبيعية لهم، وسخرت من تبريرات الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية من نقص تجربتها في التعاطي مع الحالة الناشئة وضعف إمكاناتها ومواردها المالية والفنية لتوفير الظروف الطبيعية مع ارتفاع أعداد اللاجئين. وقالت: «إن أعدادهم لم تصل بعد إلى 10 آلاف لاجئ، ولكنهم يتركون في العراء وفي معسكرات غير صالحة للعيش في وقت لم تشكُ دول مثل لبنانوالأردن اللذان لا يمتلكان موارد كافية على رغم أن كلاً منهما استقبل أكثر من مليون ونصف لاجئ وهما يسعيان باستمرار من أجل تحسين ظروف حياتهم ومعيشتهم في المخيمات». إلا أن سلطات بلغاريا تحشرهم بالمئات وغالبيتهم من النساء والأطفال في ثكنات عسكرية مهجورة لا تتوافر فيها التدفئة ومياه الشرب والخدمات والطعام، ولا الخدمات الطبية ما تسبب في وفاة أحدهم بالجلطة القلبية لعدم تقديم العناية الطبية له في الوقت المناسب، وتبقى النساء الحوامل والأطفال من دون استشارات طبية. وفي زيارة لمجموعة من الصحافيين الأجانب أحدَ معسكرات اللجوء في أطراف العاصمة صوفيا شاهدنا عشرين طفلاً رضيعاً جائعاً لعدم توافر الحليب ما دعا الصحافيين إلى جمع ما توافر من مال لشراء الحليب أمام أنظار مسؤولي المخيم الذي تحول إلى معسكر اعتقال حيث يمنع على اللاجئين الخروج حتى لشراء الطعام في وقت لا يوجد حانوت لبيع الأغذية والاحتياجات الضرورية. ويستخدم حرس المخيم العنف ضد اللاجئين الذين يرغب الكثير منهم في العودة والموت في سورية بصواريخ النظام «لأنها أرحم من الإذلال» الذي يعيشونه في هذا البلد الأوروبي. ويقول أحد اعضاء لجنة دعم ومساعدة اللاجئين السوريين التي شكلتها المعارضة السورية في بلغاريا: «إن إدارات المعسكرات أخذت تمنع فرق الإغاثة التي شكلتها المنظمة، من توزيع الخبز ومياه الشرب مجاناً في المعسكرات، في حين تسمح لجماعات مرتبطة بها، بابتزاز اللاجئين وبيع المواد الغذائية بأسعار تفوق أسعارها بكثير وتشتري منهم العملات الصعبة بنصف سعر الصرف الرسمي وتتقاسم الأرباح مع هذه الإدارات ورجال الشرطة والأمن المكلفين حماية المعسكرات». وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إيدرين إدواردز: «إن الأوضاع السيئة في المعسكرات والمخيمات تدهورت وساءت أكثر مع قدوم فصل الشتاء وسقوط الثلوج»، فيما قال مدير المفوضية العليا للاجئين لمنطقة إوروبا فنسان كوشتل ل «الحياة» بعد زيارة قام بها إلى معسكرات اللاجئين: «إنه شاهد أوضاعاً مزرية لا تليق بالإنسان حيث لا توجد التدفئة، والحمامات والبطانيات قليلة ويشكو اللاجئون من قلة الطعام وحصولهم على وجبة واحدة في اليوم وعدم وجود أدوية أو رعاية طبية ويتم التعامل معهم من جانب الإدارات بخشونة وقسوة وعدوانية». وشدد على «أن بلغاريا وقعت على اتفاقية اللاجئين عام 1950 وهو ما يلزمها بتوفير الظروف الطبيعية والإنسانية لطالبي اللجوء الإنساني والفارين من الحروب»، رافضاً قيام السلطات البلغارية بتحويل هذه المخيمات إلى معسكرات مغلقة تشبه معتقلات النازية لليهود، لأن القوانين الأوروبية تمنع حرمان الناس من حرياتهم، وسخر من شكوى السلطات الحاكمة من كثرة أعداد اللاجئين وقال: «إن عددهم حتى الآن حوالى 9 آلاف لاجئ فيما في تركيا 700 ألف وفي لبنان مليون و300 ألف، وفي الأردن مليون ونصف وفي إقليم كردستان العراق 250 ألف». وتابع: «إن المفوضية تخطط لإقامة أبنية تتوافر فيها ظروف طبيعية، وتجهيزها بقاعات خاصة للأطفال، وتوفير الاستشارات الاجتماعية والحقوقية والقانونية للاجئين التي تساعدهم على معرفة إجراءات الحصول على حقوقهم كلاجئين في إطار القوانين الدولية». أطفال يتامى وآخرون مرضى في معسكرات اللجوء في بلغاريا، 170 طفلاً عبروا الحدود من دون آبائهم أو أمهاتهم برفقة لاجئين آخرين عثروا على بعضهم وحيدين في مناطق القتال ما يجعلهم معرضين لأخطار كبيرة للغاية، فضلاً عن أنهم يعانون من أمراض نفسية ناجمة عن تعرضهم للعنف ومواجتهم ظروفاً صادمة في مناطق القتال. ويشير تقرير نشرته جريدة (دنفنيك) الصادرة في صوفيا، إلى «وجود أعداد كبيرة من الأطفال السوريين تعاني من شتى الأمراض ولا تحصل على الرعاية الطبية من بينها مصابون بالداء السكري يفتقدون حقن الأنسولين». وأعلنت منظمات إنسانية أوروبية لها مكاتب في صوفيا أنها ستقيم مركزاً خاصاً لهؤلاء الأطفال تتوافر فيه كل المستلزمات الضرورية والظروف المعيشية الطبيعية، وستتخذ الإجراءات لإدخالهم الى المدارس البلغارية». ووفقاً للمعلومات شبه الرسمية، فإن عدد الأطفال في معسكرات اللجوء المختلفة يصل إلى أكثر من 2000 طفل من أعمار مختلفة. وقال رئيس الوكالة الوطنية للاجئين نيكولاي تشربانلييف أمام ندوة نظمها المجلس الوطني لحماية الطفل: «إن الوكالة ستعين 110 أشخاص لرعاية هؤلاء الأطفال في مراكز اللجوء من دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل». وقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات عاجلة لبلغاريا تصل إلى حوالى 12 مليون يورو لمواجهة مشكلة إيواء اللاجئين وتوفير الظروف الطبيعية لهم، وسارعت كل من تشيخيا وهولندا إلى تقديم مليون يورو فيما قدمت هنغاريا مساعدات غذائية وأدودية وخيم وبطانيات بقيمة مليون يورو، ولكن الدول العربية لم تطلق أية مبادرات من هذا النوع وتلتزم السفارات العربية في صوفيا الصمت حيال تفاقم هذه المشكلة التي تحولت إلى كارثة إنسانية حيث يواجه اللاجئون ظروف الشتاء القاسية من دون تدفئة، وما يكفي من الأدوية وحالة عداء استثنائية الشكل والجوهر من جانب غالبية المجتمع البلغاري حيث انطلقت حركة احتجاجات في المدن والقرى التي أعلنت السلطة أنها تنوي إقامة معسكرات للاجئين فيها وقام سكانها بقطع الطرق الرئيسة معلنين رفضهم أن تكون مناطقهم ملاذاً لمن سموهم (إسلاميون وجهاديون ومجرمون) ما اضطر مفوضة المساعدات الإنسانية في الاتحاد الأوروبي جورجييفا إلى القدوم مرة أخرى في ظرف أسبوعين إلى صوفيا والظهور في التلفزيون الوطني داعية المجتمع إلى التعاطي الإنساني مع مأساة اللاجئين الفارين من أتون حرب مدمرة. وتساءلت أين هم الإرهابيون الإسلاميون؟ وأين هم المجرمون وأصحاب السوابق؟ وهل الآلاف من النساء والأطفال هم إرهابيون ومجرمون؟ وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة (سوفا هاريس) شارك فيه 1000 مواطن بلغاري «أن 62 في المئة من سكان البلاد يرفضون إيواء لاجئين سوريين ومهاجرين عرب وأفارقة، مقابل 15 في المئة فقط يدعمون استقبالهم وتوفير ملاذات طبيعية لهم» ورأى 62 في المئة أن السلطات الحاكمة أظهرت عجزاً كاملاً عن التعاطي مع هذه المشكلة وتوفير ظروف إنسانية للاجئين. السلطة والمجتمع: عنف مزدوج قال نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية تسفيتلين يوفتشيف ان بلاده تواجه خطراً محدقاً يتمثل في تدفق اعداد كبيرة من اللاجئين السوريين والمهاجرين من شمال افريقيا وافغانستان، وتزايد احتمالات تسلل عناصر جهادية ضمن اللاجئين ستشكل خلايا نائمة تهدد الامن القومي للبلاد. وقال إن انتشار افكار الكراهية ضد الاجانب والعنصرية الدينية والقومية خطر آخر يهدد وحدة المجتمع. وأقر بأن هذين الخطرين يشكلان التحدي الأكبر امام البلاد، مؤكداً: «ان السلطات والمؤسسات المعنية لا تزال تسيطر على الوضع حتى الآن». وقال مدير وكالة الامن القومي فلاديمير بيسانجيف: «ان الوكالة اتخذت الإجراءات اللازمة لترحيل 12 لاجئاً سورياً يشتبه بروابط لهم مع جماعات ارهابية» ولكنه لم يحدد الدولة التي سيتم ترحيلهم اليها مع مجموعة اخرى قال ان لأفرادها سوابق اجرامية. ولم يستبعد الوزير يوفتشيف اقامة مخيمات مغلقة للاجئين مع انشاء سجون خاصة للمشتبه بروابط لهم مع جماعات ارهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وقال ان القوانين الاوروبية تسمح بإنشاء مثل هذه السجون لحبس المشتبه بهم الى حين تنتهي التحقيقات معهم وتتضح اوضاعهم الحقيقية. وذكرت جريدة «ترود» اليومية ان وزارة الداخلية تسعى لاستقطاب كوادر تجيد لغات نادرة مثل العربية والكردية والفارسية والبشتونية للعمل في مكتب العمليات الفنية بالتنصت على مكالمات اللاجئين والمهاجرين مع زيادة اعدادهم من الدول العربية وافغانستان وايران.