في مقابلة مع البرنامج الصباحي على قناة «بي بي سي» الأولى، كشف المقدم التلفزيوني لويس ثيروكس ان حلقة عن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، كانت ضمن خطط البرنامج التسجيلي الذي يقدمه منذ سنوات، لكنه كان يخشى ان تتحول اي حلقة عن هذا الموضوع الحساس الى تقرير إخباري عادي، يشبه عشرات البرامج التلفزيونية التي قدمت عن الموضوع ذاته، وفي قنوات مختلفة. لكنّ الحلقة التي عرضتها أخيراً القناة البريطانية الثانية، ورافق فيها ثيروكس، وكعادته في برامجه السابقة، مجموعة من الشخصيات الصانعة او المؤثرة ضمن محيطها الاجتماعي، او تلك التي تملك وجهات نظر حادة عن القضايا التي تتطرق اليها حلقات البرنامج، لم تكن عادية. فإذا كان البرنامج التسجيلي الذي يقدم في شكل متقطع، يبحث كثيراً عن المواضيع المثيرة، وعن شخصيات متطرفة في تعاطيها مع واقعها، تطرفاً يصل أحياناً الى حدود الجنون، فإن الوضع الأمني الذي يحيط بالمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، سهّل المهمة على فريق البرنامج. فالجنون في كل مكان هناك. والأرقام التي يقدمها البرنامج البريطاني، مثلاً، عن اعداد قوى الأمن الخاصة بحماية مستوطنين معدودين يعيشون في قرى فلسطينية صغيرة، تؤكد أن الجنون ليس فقط بين متطرفين متدينين، يعيشون حياة غريبة هناك، بل هو ايضاً في صلب المؤسسة العسكرية السياسية والأمنية الإسرائيلية الرسمية، والتي تدعم هؤلاء المتطرفين وتوفر لهم الحماية. يفشل المقدم، المحبوب عادة، في إجراء أية حوارات جدية مع المستوطنين، فأسئلته تثير غضبهم، وبعضهم هدد بوقف التعاون معه اذا استمر في طرح اسئلة، اعتبرها غير لائقة. الحلقة ايضاً لم تحصل على اجوبة بخصوص الدعم الذي يتلقاه المستوطنون من منظمات دولية خارج اسرائيل، والذي يستخدم لدفع اموال لشركات أمن خاصة لحمايتهم، او لشراء عقارات فلسطينية، ودعوة اسرائيليين آخرين للسكن فيها. ومن المشاهد المؤثرة في الحلقة، تلك التي قدمت، لأثاث فلسطينيين تركوه على عجل، بعد بيعهم بيتهم، بسبب خوفهم من رد فعل عرب آخرين. وليس صعباً تفهم أسباب بيع بعض العرب بيوتَهم، فالحلقة التي كانت تصور في شوارع بلدة فلسطينية عادية في الضفة الغربية، سجلت حادثة اعتداء مستوطنين متطرفين على سيدات فلسطينيات، تبعها بكاء مؤثر، يعتبر هو ايضاً من الحياة اليومية لكثير من القرى او المدن الفلسطينية التي يعيش فيها المستوطنون. كذلك سجلت كاميرا البرنامج البريطاني جزءاً من الاحتجاجات اليومية لعرب على تصرفات المستوطنين، ومنها التظاهرة الضخمة التي انطلقت اثناء وجود الفريق البريطاني هناك، احتجاجاً على قتل شاب فلسطيني بنيران انطلقت من بيت احد المستوطنين، وما تبعها من غضب جيل الآباء الفلسطينيين، والذين تحدثوا بحرقة، عن خوفهم من ان تحول هذه الممارسات، ابناءهم الى قنابل تنتظر الانفجار. تحظى الحلقات التسجيلية الخاصة التي يقدمها لويس ثيروكس باهتمام اعلامي اوروبي منذ خمس سنوات، اضافة الى شعبيتها في بريطانيا. فالمقدم الذي لفت الانتباه بحلقات عن ظواهر غريبة في المجتمع الأميركي، تحول الى احد الوجوه التلفزيونية الأوروبية المعروفة، بأسلوبه الذي يتضمن بعض الكوميديا، والتي تفجرها مشاركة المقدم نفسه أحياناً في «تجارب تلفزيونية» مع شخصيات الحلقات، في حياتها اليومية. كذلك يحافظ المقدم على مقدار كبير من الصدق والشفافية، حتى في تعامله مع محتالين. فالحلقة التي قدمها عن محاولاته لإجراء مقابلة مع النجم مايكل جاكسون قبل وفاته بعام تقريباً، وعملية النصب التي تعرض لها من والد جاكسون، تحولت الى نموذج لبرامج التحقيقات التلفزيونية التي تنحرف عن اتجاهها.