التقيت بمجموعة من الشابات أجرين جراحة «التكميم» التي تقوم على قص جزء من المعدة، للتخلص من 10 إلى 15 كيلوغراماً زائداً عن معدل أوزانهن الطبيعية، وتجربة هذه المجموعة لم تكن غريبة على قريبتي التي أجرت جراحة «تحويل مسار المعدة» التي يتم فيها توصيل المعدة بالأمعاء، ومع أن الطبيب أكد لها عدم حاجاتها إلى الجراحة، إلا أن إصرارها الشديد وسوء حالتها النفسية أجبراها على الموافقة، وعانت من مضاعفات صحية لأشهر جراء الجراحة! هذا التوجه ظهر أخيراً لدى فئة من النساء، ووجد أطباء التقبل بتحقيقه، فشوش على الهدف الأصلي لهذه الجراحات، وهو استعادة الصحة والحفاظ عليها من السمنة المفرطة، وما تسببه من أمراض تهدد الحياة، وهو ما جعل البعض يعتبرها «جراحات تجميل»! لكن كيف تستسهل المرأة التي لا تعاني من مشكلات صحية الخضوع لمبضع الجراح، والبقاء لساعات تحت التخدير، وتحمل مضاعفات الجراحة، لأجل إنقاص الوزن لتحسين المظهر؟ وهو ما يدفع إلى السؤال: «لماذا تريد النساء الجراحة التجميلية»؟ السؤال عنوان دراسة شاركت فيها 3500 سيدة تراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً، نشرت على موقع (ScienceNordic)، وبينت أن 49 في المئة من العينة يمكن أن يجرين جراحات تجميلية، ورأت أن الرغبة في تغيير الشكل ليست دائماً الدافع، وأن هناك عوامل نفسية واجتماعية متداخلة تؤثر في احتمالية إقدام المرأة على هذه الجراحات، ومنها المستوى التعليمي المنخفض أو النظرة السلبية أو عدم الرضا عن شكل الجسم Poor body image، أو اضطراب تشوه الجسمBody dysmorphic disorder، كذلك النساء اللواتي تعرضن «للتنمر» أو الإيذاء بسبب المظهر. قد يتفق البعض أو يختلف في ما خلصت إليه الدراسة، لكنها يمكن أن تكون مؤشراً لأسباب إقبال النساء عموماً على جراحات التجميل. وأكد تقرير صحافي نشر أخيراً، تسجيل السعودية ارتفاعاً كبيراً في جراحات التجميل خلال العقد الماضي، يصل إلى 100 في المئة، فيما أظهر إحصاء للجمعية الدولية للجراحة التجميلية أن السعودية احتلت المرتبة الأولى بين الدول العربية في عدد جراحات التجميل بين الشابات من سن 19 إلى 30 عاماً. الأعداد الكبيرة لعيادات التجميل التي نراها حولنا، وأعداد النساء اللواتي يقبلن عليها، والتغير الملاحظ في الشكل بين الفتيات والنساء على حد سواء مؤشرات على وجود إقبال كبير على جراحات التجميل، قد تكون القدرة المادية على تحمل كلفة هذه الجراحات عاملاً، لكن هذا لا يمنع انتشارها بين أصحاب الدخل المتوسط كما يؤكد أطباء التجميل، وقد تسهم عوامل أخرى في ذلك كالضغط الذي يسببه التصور السائد عن المرأة الجميلة على المراهقات والشابات، وتنشئة الفتاة على الاهتمام بشكلها، لإرضاء الزوج أو الحصول على زوج، وكذلك معايير الجمال ومقاييسه التي يصدرها الإعلام وصناع الموضة من خلال النجمات اللواتي يصبحن حلم الكثيرات من المراهقات والشابات وحتى النساء الأكبر سناً. أنا لست ضد جراحات التجميل بالمطلق، وأعرف كثيرات غيرت هذه الجراحات حياتهن، فزادت ثقتهن بأنفسهن، وحققت لهن نوعاً من التوازن والرضا النفسي، وهنا يكون الهدف من التجميل تعديلاً بسيطاً، له عدد من الإيجابيات، لكن نرى اليوم حالاً من «الهوس» بالشكل والجمال، تدفع إلى مخاطرة بخوض جراحات من دون حاجة صحية، وتجر بعدها سلسلة جراحات. فهل ارتفاع نسبة الإقبال على جراحات التجميل مؤشر لزيادة عدم رضا المرأة عن شكلها؟ وإن كان كذلك، لماذا وصلت المرأة إلى هذه الدرجة من عدم الرضا؟ وهل تجري المرأة الجراحة لإرضاء نفسها أم الآخرين؟ كم امرأة راضية عن شكلها العام من دون التدقيق في التفاصيل؟ وإلى أي مدى أصبح الشكل الخارجي هاجساً يمكن أن يدفع إلى المخاطرة بالحياة من أجل تغييره؟ أسئلة كثيرة لا بد من البحث فيها حتى لا نفاجأ بحملة «تصحيحية» لمفهوم جراحات التجميل! [email protected] DALIAGAZZAZ@