لا يكاد يمر يوم إلا ويضج المجتمع البريطاني بنبأ عن جريمة قتل أو اغتصاب أو خطف تطاول أطفالاً صغاراً. حمزة خان: طفل لم يتجاوز أربعة أعوام تركته أمه السكيرة أماندا يموت جوعاً في برمنغهام ولم تكتشف الشرطة وفاته إلا بعد سنة عندما عثرت عليه في سريره وقد تضوّر جوعاً وأكل من فضلات حفاضه ... حتى مات. «الطفل بي»: بيتر كونولي كان يبلغ 17 شهراً فقط عندما مات في لندن جراء تلقيه 50 جرحاً نتيجة ضربه في أنحاء متفرقة من جسمه. أقرت أمه ترايسي بفعلتها ودانها القضاء بالسجن مع صديقها. إيبريل جونز: طفلة لم تتجاوز خمس سنوات قتلها جارها المنحرف جنسياً مارك بريدجر وتخلّص من جثتها في مقاطعة ويلز. أقر بريدجر بقتلها لكن لم تعثر الشرطة سوى على جزء من جمجمتها في مدفئة منزله. تيا شارب: فتاة تبلغ 12 سنة اغتصبها وقتلها صديق جدتها ستيوارت هيزيل، المنحرف جنسياً. ما سبق ليس سوى غيض من فيض. وعلى رغم أن هناك من يمكن أن يجادل أن حالات الجرائم قد تبدو مرتفعة لمجرّد أن عدد سكان بريطانيا مرتفع (أكثر من 60 مليون نسمة)، إلا أن نشر الصحف البريطانية يومياً لأخبار جرائم تمس بالأطفال لا بدّ من أن يثير تساؤلات حول فاعلية إجراءات الحماية التي توفرها الدولة وأجهزة الرعاية الاجتماعية. في أعقاب جريمتي قتل ايبريل جونز وتيا شارب واكتشاف أن القاتلين شاهدا قبل ارتكاب فعلتهما أشرطة فيديو جنسية على الإنترنت، تحرّكت الحكومة بسرعة لضمان حظر مشاهد الاغتصاب العنيف على محركات البحث لشركات الإنترنت. وبالفعل وافقت الشركات الكبرى - بما في ذلك محركات بحث «غوغل» و «بينغ»، وهي من الأكبر عالمياً - على وضع «فيلتر» (مصفّي) يمنع الباحثين عن كلمات مرتبطة بالاغتصاب والجنس أو الصور المثيرة للأطفال من الوصول إلى غايتهم، بحيث أن أول نتيجة لبحثهم تكون عبارة عن رسالة «تحذير» من محرّك البحث أن مشاهدة صور من هذا النوع تُعدّ أمراً مخالفاً للقانون. وقد يكون مجرّد البحث عن أمور جنسية تتعلق بالأطفال سبباً كي تبلغ محركات البحث على الإنترنت، تلقائياً، أجهزة الشرطة المعنية في كل بلد بأن شخصاً على عنوان معيّن يبحث عن مشاهد فاضحة للأطفال، ما يمكن أن يؤدي إلى وضعه تحت المراقبة خشية أن يكون منحرفاً يمثّل تهديداً للمجتمع وأطفاله. وهذا الأمر بالغ الأهمية بلا شك لأنه يمكن أن ينقذ حياة إنسان. فايبريل جونز وتيا شارب ربما كانتا قد نجتا من الاغتصاب والقتل لو أن محركات البحث على الإنترنت كان مسموحاً لها بأن تبلّغ الشرطة بأن بريدجر وهيزيل - القاتلين - كانا يبحثان عن صور جنسية للأطفال قبل ارتكابهما الجريمة. وعلى رغم تشابه القوانين في الدول أو المقاطعات التي تتكون منها المملكة المتحدة (إنكلترا واسكتلندا وويلز وإرلندا الشمالية)، إلا أن كلاً منها مسؤول عن سن قوانينه الخاصة بأنظمة حماية الأطفال. وفي إنكلترا، الدولة الأكبر مساحة وسكاناً ضمن المملكة المتحدة، تقع مسؤولية حماية الأطفال على عاتق وزارة التعليم (بموجب قانون الأطفال لعام 1989 وقانون الأطفال لعام 2004). وتصدر الوزارة «إرشادات» للسلطات المحلية في الدوائر أو المحافظات - عددها 148 - التي تقرر بدورها الطريقة الخاصة بها كي يتواصل مسؤولوها المختصون (في أجهزة الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والشرطة) مع الأطفال وعائلاتهم. ويحق لهؤلاء طلب سحب الأطفال من عائلاتهم ووضعهم في رعاية السلطات المحلية إذا ما اعتقدوا أن هناك «خطراً كبيراً» يتهددهم في حال بقائهم مع أسرهم. كما يمكن للمواطن العادي الاتصال بأجهزة الرعاية الاجتماعية في الدائرة التي يقيم فيها إذا ما شعر بأن أطفال جيرانه، مثلاً، يتعرضون لسوء المعاملة. وفي حين أن المدارس البريطانية ملزمة بأن يكون لديها شخص معين مهمته «حماية الأطفال» من أي سوء قد يتعرضون له، فإن أجهزة الرعاية الصحية بدورها لديها طواقم مخصصة بمراقبة الأطفال خشية أن يكونوا يتعرضون لسوء معاملة من أهاليهم. وفي حين أن هذه الأجهزة تتعرض لانتقادات جمّة حين تُتهم بالتقصير في التحرّك (كما حصل في قضيتي الطفل حمزة خان و «الطفل بي»)، إلا أنها أحياناً تُنتقد حتى عندما تتحرك وتبدو قراراتها مجحفة أو ظالمة في حق الأهل الذين ينتزع أولادهم منهم لشبهة ما يتبين لاحقاً أنها غير صحيحة أو فسّرت خطأ. وفي هذا المجال، أثارت الصحف البريطانية زوبعة قبل أيام عندما كشفت أن أجهزة الرعاية الصحية، بقرار قضائي، أجرت عملية ولادة قيصرية لامرأة كانت تقيم في إيطاليا وتم توليدها بالقوة وانتزاع طفلها منها ... للاشتباه في أنه سيكون عرضة للخطر إذا بقي مع والدته المصابة بأزمة نفسية!