نجحت الاتصالات في تطويق تداعيات الإشكالات المتنقلة التي حصلت ليل أول من أمس في طرابلس بين وحدات من الجيش اللبناني وبعض المجموعات في باب التبانة والقبة، وحالت دون انتقالها الى مناطق أخرى في المدينة، على رغم حملات التحريض على القوى الأمنية بذريعة انها تخطط لاقتحام المنطقتين والتي تولاها عدد من «الرموز» الذين لا مصلحة لهم في عودة الهدوء الى عاصمة الشمال، باعتبار ان حال الفوضى التي عمت بعض شوارعها أتاحت لهم التأسيس لمصالح مالية وسياسية نتيجة فرض الخوات وتشييد الأبنية على الأملاك العامة وأملاك الغير، وبالتالي يسعون لافتعال المشكلات للعودة بطرابلس الى نقطة الصفر، أي الى ما كانت عليه قبل وضع جميع القوى الأمنية تحت إمرة قيادة الجيش. وعلمت «الحياة» من مصادر طرابلسية أن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الموجود حالياً في الرياض في المملكة العربية السعودية تولى شخصياً الاتصال بمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار وبنواب المدينة وفاعلياتها وبمسؤولي «المستقبل» فيها، إضافة الى تواصله مع قيادة الجيش داعياً الجميع الى العمل من أجل التهدئة وإعادة الهدوء الى باب التبانة والقبة حيث تقع ثكنة للجيش اللبناني. كما علمت ان رئيس كتلة نواب «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة شارك في هذه الاتصالات، لأن لا مصلحة لطرابلس بأي إخلال بالأمن. ونقلت قيادات طرابلسية عن الحريري قوله للذين اتصل بهم: «إياكم السماح بعودة الفوضى الى طرابلس، وعليكم التعاون مع قيادة الجيش وقادة الأجهزة الأمنية لتفويت الفرصة على من يحاول الإيقاع بينكم، خصوصاً أن هناك طابوراً خامساً لا يزال يخطط لافتعال مشكلة بين الطرابلسيين والجيش، لأن له مصلحة في تقديم طرابلس على انها عاصية على الدولة وخارجة على القانون وأن من فيها لا يريد ان يعود الأمن اليها». وإذ شدد الحريري على ان لا غطاء سياسياً لمن يخطط للإخلال بالأمن، رأى في المقابل أن وأد الفتنة وقطع الطريق على من يحاول تعبئة النفوس يبدأ بمحاصرة جميع المخلّين، على ان يباشر الجيش مهمته في فرض الأمن من جبل محسن لتنفيذ الاستنابة القضائية الصادرة بحق علي عيد وابنه رفعت ومن ثم نزولاً الى جميع أحياء طرابلس وشوارعها، لأن رأس الفتنة هو من حرض وشجع على تفجير مسجدي «السلام» و «التقوى»، وعندها لا يمكن أحداً الوقوف في وجه القوى الأمنية لأنه سيجد نفسه معزولاً. وحذر الحريري كما نقلت عنه القيادات الطرابلسية من الانجرار الى مشكلة مع الجيش اللبناني، لأن البديل من فرض الأمن سيكون الفلتان والفوضى. وكان الإشكال في باب التبانة بدأ مع فريق تلفزيون «الجديد» عندما تعرض له عدد من الشبان لحظة دخوله الى الحي لإجراء مقابلات مع الأهالي فقام بالتصدي له ومحاصرته، ما اضطر الجيش اللبناني الى التدخل مستخدماً قنابل مسيلة للدموع. وفي هذا السياق، قالت مصادر طرابلسية ل «الحياة»: «ان احد الشبان رمى قنبلة على عناصر الجيش الذين اضطروا الى إطلاق النار في الهواء لتفريق الجموع التي أخذت تتداعى للتجمع، وأكدت أن حالاً من الفوضى دبت في هذه الأثناء على خلفية قيام عدد من الشبان بالتحريض على الجيش بذريعة انه يقوم بدهم عدد من المباني في قلب باب التبانة وأن مثل هذا التدبير يتناقض مع ما تم التوصل اليه لدى عودة الجيش الى الانتشار، ومفاده ان لا دخول الى عمق باب التبانة». لكن تبين أن الجيش دهم مبنى في الشارع المؤدي الى باب التبانة بحثاً عن الشخص الذي رمى القنبلة على القوى الأمنية وآخرين قاموا بإطلاق النار. محرضّ... موقوف سابق وعلى رغم ان الوضع على الأرض أخذ يتوضح مع تكثيف الاتصالات لمعالجة الإشكال، فإن هناك من لعب على عواطف سكان القبة ودعاهم الى التجمع احتجاجاً على حملات الدهم والتوقيف في باب التبانة. واستجاب البعض لدعوة هذا الشخص، وقاموا كما ذكرت المصادر بقطع الطريق المؤدية الى ثكنة الجيش في القبة وعمدوا الى إحراق الإطارات احتجاجاً. وتبين لاحقاًَ أن من حرضهم كان أوقف في السابق وأُفرج عنه بعد تدخلات سياسية ورسمية، اضافة الى انه لعب دوراً في التحريض على الاعتصام أمام مساجد طرابلس بعد الانتهاء من تأدية صلاة الجمعة. إلا ان تضافر الجهود وعلى رأسها تلك التي قام بها الحريري أدت الى إحباط المخطط الرامي الى إخراج الجيش من باب التبانة وأحياء أخرى، فيما نشط المفتي الشعار والنائبان سمير الجسر ومحمد كباره والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ومنسق «المستقبل» في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش في اتجاه جميع الفاعليات وعملوا على تهدئة النفوس في وجه حملات التحريض ضد الجيش. وكان لرئيس هيئة علماء المسلمين في الشمال الشيخ سالم الرافعي دور في الدعوة الى التهدئة، بينما كان يدعو أحد مؤسسي التيار السلفي في الشمال الشيخ داعي الإسلام الشهال الى الاعتصام اليوم (أمس) أمام جامع المنصوري بعد تأدية صلاة الجمعة، احتجاجاً على ما قام به الجيش. إلا ان الشهال سرعان ما تراجع عن دعوته، وعلمت «الحياة» أن اللواء ريفي لعب دوراً في إقناعه بصرف النظر عن الاعتصام على رغم ان المستفيدين من الإخلال بالأمن أخذوا يتداعون للاستجابة لدعوته. وعلمت «الحياة» أن الشهال اضطر لإعادة النظر في دعوته بعد التحرك الذي قام به المفتي الشعار داعياً الى التهدئة لأن لا مصلحة لأحد بالدخول في صدام مع الجيش، إضافة الى موقف الشيخ الرافعي وعدم تجاوب الأكثرية مع الاعتصام، شعوراً منها بأن البديل سيكون جولة جديدة من الفلتان والفوضى، مع ان غالبية الفعاليات ترى أن لا بد من خلق الأجواء المواتية لإعادة بناء الثقة بين الأهالي والجيش في باب التبانة، وهذا ما تقوم به.