عاشت طرابلس يوماً آخر من التوتر أمس في انتظار بدء الجيش توسيع انتشاره في مناطق الاشتباكات التي حولت العيش في المدينة الى كابوس على مدى 6 أيام. وإذ انضمت هيئات في المجتمع المدني الطرابلسي أمس الى صرخات فعاليات أخرى في المدينة تطالب الدولة والقوى الأمنية بتحمل مسؤولياتها للجم الفلتان والتدهور الأمني، فإن تأثير هذه التحركات اقتصر حتى أمس على بعض التهدئة خلال النهار مع استمرار عمليات القنص المتقطع بين مسلحي جبل محسن ومسلحي باب التبانة، وهو ما درجت وسائل الإعلام على تسميته بالهدوء الحذر، فيما تنفلت البنادق والرشاشات ومدافع الهاون ليلاً، كما حصل ليل أول من أمس وأمس، حاصدة 7 قتلى جدد بحيث ارتفع عدد القتلى الى 13 منذ الاثنين الماضي، إضافة الى عشرات الجرحى بينهم عسكريون، والأضرار المادية واحتراق شقق سكنية ومحال تجارية. وإذ تعاملت وحدات الجيش المتمركزة على خطوط التماس بين مناطق الاشتباكات مع مصادر القنص وردّت عليها بالرصاص، فإن شوارع داخلية في المدينة بعيدة من مناطق الاشتباكات شهدت خلال ليل الجمعة – السبت وصباح أمس حالاً من الفوضى وانتشار السلاح، تارة بحجة توقيف الجيش بعض الأشخاص المشتبه باشتراكهم في العبث الأمني، وتارة أخرى لأسباب غير مفهومة تعامل الجيش معها بشدة لإخراج المسلحين من الشوارع. وقال النائب عن المدينة سمير الجسر ل «الحياة» إن الجيش «موجود أصلاً في المدينة ومناطق الاشتباكات وهو تعامل نهار أمس بشدة مع الفلتان في بعض الشوارع». وأوضح أن «فترات التهدئة التي نشهدها تحصل نتيجة اتصالات متواصلة نبذلها، لأن لا أحد يريد الوقوع في الفخ الذي ينصب للمدينة... لكن ننتظر تدابير الجيش الحازمة التي قيل إنها ستظهر بين الأحد والإثنين». إلا أن الوضع عاد فتدهور ليلاً وأدى سقوط قذائف على باب التبانة الى سقوط قتيلين وعدد من الجرحى، كما أفاد «الحياة» النائب عن المدينة محمد كبارة. وطالب كبارة القوى الأمنية باتخاذ تدابيرها «ضد الإرهابيين والمجرمين. فهل التدابير تتخذ على الضحية أم على المعتدي؟ لقد بات عدد جولات التصعيد 17 جولة من الاعتداءات بأوامر من بشار الأسد». وحذّر بيان لبعض هيئات المجتمع المدني في طرابلس أثناء اعتصامها أمام سراي المدينة، من أنها ستلجأ الى العصيان المدني «في حال لم يعالج الوضع في سرعة». وتوجه الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ونواب المدينة بالقول: «إذا عجزتم فالتحقوا بصفوف الشعب». وساد شعور لدى فعاليات المدينة بأن طرابلس متروكة بهدف تجريدها من دورها السياسي. ورد ميقاتي الذي أكد أمس أن الجيش وقوى الأمن أبلغوا المعنيين بأنهم سيستخدمون كامل الصلاحيات المعطاة للقوى الأمنية، مشيراً الى رفع الغطاء عن مخالفي القانون، على مطالبته من قبل المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي والنقيب السابق للمحامين رشيد درباس بالاعتكاف في المدينة مع وزرائها، فقال إنه «لو كان قرار الاعتكاف يشكل حلاً للنزاع في طرابلس لما ترددنا في اتخاذه». واعتبر أن «المسؤولية التي نتحملها وثقة الطرابلسيين بنا تحتمان علينا عدم التوقف عند اتهام من هنا ومزايدة من هناك». ورأى أن « الاعتكاف هو تعقيد للمشكلة وهروب من المسؤولية». وأصدر زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بياناً أكد فيه أن طرابلس «تتعرض يومياً وأمام أعيننا وعلى مرأى ومسمع من جميع المسؤولين، لحرب قذرة قرر النظام السوري أن يشنها بواسطة أدواته المحليين». وربط الحريري بين «نجاح شعبة المعلومات في قوى الأمن بكشف الشبكة الإجرامية المسؤولة عن تفجيري طرابلس وبين أمر عمليات صدر لمعاقبة طرابلس واستدراجها الى قتال أهلي». وسأل: «هل يجوز أن يتحول الجيش اللبناني بقواته المجوقلة الى شاهد زور في الحرب المعلنة ضد طرابلس؟». وإذ دعا الدولة لإنقاذ المدينة وحسم الأمر... وأنها بخلاف ذلك تكون شريكة في الحرب التي أعلنها النظام السوري على المدينة». وقال مفتي المدينة الشيخ مالك الشعار: «ما زلنا في حال رباطة الجأش ولا نريد أن نجر المدينة الى فتنة مذهبية، ليس عجزاً ولا ضعفاً. لأن قوتنا بوجود الدولة». ورأى أن «قضية طرابلس قاصرة على ذلك الفريق المجرم الذي تكررت اعتداءاته عليها». وطالب بتطبيق ما قرره الاجتماع الأمني برئاسة الرئيس ميشال سليمان. وحيا القضاء «الذي يقوم بكل ما له علاقة بالتحقيقات». على صعيد آخر، قال سليمان أثناء رعايته «المؤتمر العام الأول لمسيحيي الشرق» في مقر بطريركية الروم الكاثوليك إنه تلقى رسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني بأنه يبذل جهوده للإفراج عن المطرانين المخطوفين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي. وألقى سليمان كلمة أكد فيها أن «سقوط المسيحية في لبنان ينهيها في الشرق كله»، مشدداً على أن «لا لحكم الأكثرية الساحقة التي تؤدي الى هيمنة العدد ولا للأقلية المهيمنة التي ينتهي حكمها الى الديكتاتورية». واعتبر أن «مستقبل المسيحيين المشرقيين لا يكون بالانعزال ولا بالحماية العسكرية الأجنبية ولا بما يسمى تحالف الأقليات».