ما يسمى الإرهاب اليوم ليس مستحدثاً، بل هو قديم قدم التاريخ، وكان له وجود في كل العصور، ولكنه في زماننا هذا استشرى وانتشر حتى لا تخلو منه منطقة ولا تفتر أخباره يوماً، حتى باتت الأشلاء المبعثرة والأرض المغطاة بالدماء جزءاً مألوفاً من محتويات نشرات الأخبار، ليعقبها ما هو متوقع من بيانات غاضبة، وشجب واستنكار. ان الارهاب لا دين له ولا وطن، وربطه بدين او عرق خطأ فاحش، ولكن يجب ان نعترف بأن الظلم الذي تمارسه الدول الكبرى واحد من أسباب هذه الظاهرة، وأن العالم الذي انشق حلقه استنكاراً للارهاب، كان الأفضل له بدل الصراخ ان يبحث عن حلول لهذه الظاهرة، بعد ان يبحث في أسبابها ودوافعها، ويجب ان تعلم الدول الكبرى ان الحل العسكري لن يجدي فتيلاً، والقرائن تقول ان الارهاب يزيد بزيادة العمليات العسكرية وشن الحروب، وما العراق وأفغانستان عنكم ببعيدين، فالقضاء على هذه الظاهرة يقتضي العمل في اتجاهات عدة، منها الحلول القانونية والتشريعية، على رغم أوجه القصور الخاصة بها، حيث توجد ثغرات قد يفلت منها الارهابيون، بل ان كثيرين منهم لا يبالون بالسجن والاعتقال، والحل التربوي الذي يعني اعادة ترتيب المفاهيم والفكر لدى أفراد المجتمع، هذا الحل يحتاج إلى عمل شاق ووقت طويل، كما انه يستدعي تعاوناً وتنسيقاً بين رجال الدين وأهل العلم والدعوة والارشاد وخطباء المساجد وأئمتها، والأجهزة الاعلامية والأمنية، كما يحتاج إلى عمل دؤوب وإخلاص للنية، وإيمان بخطورة هذه الظاهرة، فالتصدي لهذا الداء او الحد منه، بل واستئصاله من مسؤولياتهم، ولا يبقى هذا الأمر حكراً عليهم بل هو مسؤولية الجميع، ليقفوا جميعاً ضد هذا الداء العضال، الذي يهدد أمن الدول والمجتمعات واستقرارها. وإذا كان عالم اليوم قد عجز عن تعريف متفق عليه للارهاب، فإن الاسلام قد حدد الأعمال التي تدفع الى اعتبار من يرتكبها إرهابياً، ومن تلك الأعمال الحرابة او ما يطلق عليه اخافة السبيل وقطع الطريق، ومنها الفساد في الأرض، وهو تعريف جاء في الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب سبق ان صدر عن مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب، وهو ما أيده اعلان بيروت لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي عقد بين 29 و30 كانون الثاني (يناير) 2002. ان الإسلام يحترم الإنسان، ويحافظ على كيانه وسلامته وكرامته مهما كانت ديانته، وغير المسلم يعيش في دولة الاسلام بأمان موفور الكرامة محفوظ الحقوق لا يعتدي عليه أحد الا اذا شق عصا الطاعة، أو أعلن الحرابة على الدولة قال تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (البقرة 256)، وقال تعالى: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ» (الغاشية 22،23، 24)، وهذا الدين يسعى الى أهم المقاصد لحماية البشرية من الاضطراب وعدم الاستقرار، وذلك بفرض الأمن بوسائل مناسبة، يحفظ كرامة الإنسان، ويستأصل كل ما يعكر أمنه، ليحافظ على سلامته واستقراره. وانطلاقاً من المفهوم السابق، فإن الوقوف في وجه الارهاب والارهابيين واجب شرعي، بل انه من الواجبات العظيمة شرعاً وعقلاً لمن حاولوا ويحاولون الافساد في البلاد وإرهاب العباد. من هذا المنطلق الاسلامي يأتي دور العلماء في إصدار الفتاوى الشرعية، ومنها ما أصدره مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية بقراره الرقم 148 تاريخ 12 محرم 1409ه بإيقاع عقوبة القتل على من ثبت شرعاً انه قام بعمل من أعمال التخريب والافساد في الأرض التي تزعزع الأمن، ومنها الاعتداء على الأنفس والممتلكات ونسف الطائرات او خطفها ونحو ذلك. وما يحدث في هذا الزمان من ارهاب لا يمت إلى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وقد عرفه صدر الاسلام وحذر منه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: «يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله». ان الإرهاب الذي قتل أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين طعنه المجرم أبو لؤلؤة المجوسي وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر، وهو الذي قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وهو يتلو القرآن الكريم، وهو أيضاً الذي قتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حين طعنه المجرم عبدالرحمن بن ملجم، هؤلاء الخلفاء الراشدون الثلاثة من المبشرين بالجنة قتلهم إرهابيو ذلك الزمان وها هم إرهابيو هذا الزمان، يسفكون دماء الأبرياء من دون حق. الإرهاب لا وطن له ولا دين ولا يعرف الحدود فالجماعات الإرهابية موجودة في كل مكان فهي موجودة في أوروبا كما في أميركا ولا يكاد يخلو منها بلد وقد أعيت محاربة الإرهاب الدول مثلما أعيتها محاربة المخدرات، بل ان الظاهرتين – الإرهاب والمخدرات – تزدادان انتشاراً واستفحالاً عاماً بعد عام. إن الأمن والشعور بالسلام حاجتان نفسيتان عميقتان من دونهما لا تستقيم الحياة ويضطرب مسارها وتقعد بالمجتمعات عن أداء مهامها، والشعور بالأمن لا يقل أهمية عن احتياجات الإنسان الغريزية الأخرى مثل احتياجاته للطعام والتكاثر، ولذلك قرن الله تعالى في كتابه العزيز بين الاطعام والشعور بالأمان وامتن على الناس بهما معاً فقال: «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» (قريش 3، 4). واذا كان الارهاب عادة يلصق بالأفراد والجماعات الصغيرة والمنظمات، فإن هناك ارهاباً لا يقل خطراً ولا اثراً عن ارهاب الافراد والمنظمات وهو ارهاب الدول، فماذا يسمى احتلال دولة لدولة وقهر شعبها ان لم نسمه ارهاباً، فاحتلال الدول، بالقوة (المعراة) انما هو عين الارهاب، ولذا فإن الدولة العبرية هي دولة ارهاب مئة في المئة، فهي تحتل فلسطين منذ عام 1948، وأُلحقت بها القدس وأراض عربية أخرى عام 1967 وقامت اسرائيل على ارض العرب لتصبح أول دولة في التاريخ الانساني تؤسس على ارض غير أراضيها وبدعم صارخ من بريطانيا صاحبة وعد بلفور اللعين عام 1917 ومن الولاياتالمتحدة التي دعمت اليهود دعماً لا حدود له حتى تأسست اسرائيل عام 1948 وامتداداً لهذا الدعم كانت من اوائل الدول التي اعترفت بها. ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل تعيث في ارض فلسطين فساداً، فهي قامت وشيدت أساسها على جثث وعظام الأبرياء من الفلسطينيين والعرب، قتلتهم تطرفاً وعنفاً وإرهاباً. لقد استعملت اسرائيل كل أنواع الارهاب كما استعملت سياسة الابتزاز واللف والدوران والكذب والدجل والخداع ضد كل مواطن فلسطيني، حتى ابتلعت معظم أراضي فلسطين كما فعلت بالقدس والجولان ومزارع شبعا وغيرها. هذا هو جوهر الارهاب لكن ماما أميركا ومعها بريطانيا ودول الغرب ترى في ارهاب اسرائيل دفاعاً عن النفس، حتى الاعتداء الأخير على غزة الذي خلف وراءه أكثر من 5 آلاف بين قتيل وجريح، وبلغت تكلفة ما دمر فيه من المساجد والمدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية والمنازل والبنية التحتية أكثر من 4 بلايين دولار بحسب التقارير الدولية، اعتبرته أميركا وبريطانيا ودول أخرى دفاعاً مشروعاً بينما اعتبرت كفاح الشعب الفلسطيني المقهور من أجل تحرير ارضه ارهاباً، وهذا هو زمن المضحكات المبكيات، زمن دفن القانون الدولي والشرعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة ومجلس أمنها في مزبلة التاريخ من اجل عيون اسرائيل. واذا كان الرئيس اوباما قد أحيا والشعب الأميركي الذكرى الثامنة لاعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فإننا كعرب ومسلمين نتذكر ذلك الحدث الارهابي الأليم بالمرارة والحزن لأن ديننا يحرم قتل النفس البريئة، وقد اعلن المسلمون موقفهم هذا المتضامن مع الشعب الاميركي قلباً وقالباً في لحظة وقوع الحدث الارهابي وما زالوا يقفون الموقف نفسه، وسيستنكرون أي عمل إرهابي لأنه ينافي دينهم وسماحته ولا يتفق مع عاداتهم وتقاليدهم. وإذا كانت الولاياتالمتحدة لم تشهد عملاً إرهابياً منذ ذلك التاريخ، فإن دولاً عربية وإسلامية قد تعرضت لموجات ارهابية متوالية وكانت السعودية في مقدم تلك الدول، وكان آخر عمل ارهابي بشع ذلك الذي تعرض له احد المسؤولين الرئيسين عن مكافحة الارهاب الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، فقد تعرض في أول جمعة من رمضان المبارك لمحاولة ارهابية غادرة استهدفته على يد فئة قررت الافساد في البلاد وإرهاب العباد، وتعد مثل هذه الأفعال الخبيثة طعناً للأمة في ظهرها وعملاً لا يقره الدين ولا الشرع ولا العقل. ان العالم اليوم يعيش بين ارهاب فئات متزمتة وإرهاب دول متطرفة بالقوة، وكل هذا فيه إخلال بأمن واستقرار الشعوب والدول، وتأصيل لقانون الغاب حتى ساد الخوف والفزع، وفُقدت الطمأنينة والأمن اللتان قال عن حقيقتهما الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه «رفاهية العيش في الأمن». * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية.