يعيش موطن البن والزيتون البري، وجبل الفصول الأربعة، الذي سكنه الإنسان قبل نحو خمسة آلاف عام، و«النمر العربي والوشق» الآن حالة من الإهمال، وعدم الاهتمام من الهيئة العامة للسياحة والآثار، بتحويله من كهوف منسية أتى عليها الزمن، إلى مقصد سياحي في منطقة الباحة، وواجهة لاستقطاب عشاق الطبيعة الجبلية السعودية، وخيار لاكتشاف معلم تهامي تفصل وقفته الشامخة بين محافظتي المخواة وقلوة. شدا الباحة، والذي يمكن لقاصديه عيش الفصول الأربعة واقعاً بمجرد محاولة تسلقه، من أسفله التهامي إلى قمته «السراتيه»، إذ إن حرارة قاعه الصيفية، واعتدال منتصفه الربيعي، و شتاء قمته، كفيلة أن تصنع فصولاً أربعة خاصة بشدا، وتجربة فريدة لزائره، إضافة إلى «نقوشه الثمودية» التي تطابقت مع توأمه الفرنسي «لاسكو» و«تاسيلي» المشرق العربي. يقول الباحث في علم الآثار الدكتور أحمد قشاش الغامدي إن شدا الباحة يعتبر بوجه عام مهد الإنسان الأول، ويصنف من المواطن التي سكنت من أقدم عهود التاريخ، نتيجة تكونه من الصخور النارية الجرانيتية البانية للجبال من أسفله، والتي تعود إلى حقب ما قبل الكمبري وهو أقدم العصور الجيولوجية في تاريخ نشأة الأرض. وأضاف: «من أبرز العناصر الطبيعية في هذين الجبلين مغارتهما العجيبة وكهوفهما الواسعة، والتي تكونت بفعل عوامل التعرية خلال ملايين السنين، والأخرى المتكونة بفعل تسلل الغازات من الصهير الناري، عند التبلور في الجزء الخارجي منه، لتترك مكانها تجاويف كروية، مستطيلة، و بيضاوية الشكل تختلف أحجامها من صخرة إلى أخرى والتي تتضح بكثرة في هذين الجبلين، لاسيما إلى الأسفل من جبل شدا». ومن جهته، كشف أحد أعيان أهالي منطقة جبل شدا غرم الله الزهراني ل «الحياة» عن أن الفراغات الكهفية الواسعة لجبلهم تعتبر من المواطن الطبيعية المحصنة التي استوطنها الإنسان منذ بدء الخليقة، حتى الآن، والتي تعتبر إرثاً حضارياً وثقافياً للمنطقة يتوجب الحفاظ عليه، وأضاف: «توجد على جدران كهوف شدا رسوم ملونة نادرة في غاية الأهمية، تعتبر من أقدم الرسوم الصخرية التي عُثر عليها في كهوف العالم، تعود إلى العصر الحجري الأخير في الحقبة ما بين 2000 – 6000 عام قبل الميلاد، استناداً إلى تطابقها مع رسوم مشابهة ل «فن الكهوف» في مواقع أخرى خارج الجزيرة العربية، كرسوم كهف «لاسكو» بجنوب فرنسا، ورسوم كهوف «جبال تاسيلي» بين الحدود الليبية والجزائرية شمال الصحراء الكبرى. وأشار الزهراني إلى أن ما يميز شدا الباحة، قممه العالية «شديدة البرودة»، التي تكسوها الثلوج بعض فصول السنة، الأمر الذي يميز المنطقة بتكون «الجداول»، «الأنهار» والبحيرات، التي ساعدت على ظهور غطاء نباتي كثيف، وانتشار للحيوانات العاشبة والمفترسة كالذئب، النمر العربي، الوشق، والضبع المخطط. ولفت الزهراني إلى أن الطبيعة الزراعية لجبل شدا تعد من أبرز معالمه، كأشجار العرعر، العتم «الزيتون البري» والعديد من الشجيرات والأعشاب والحشائش، إضافة إلى زراعة كل ما يمكن زراعته في مستوى قمة جبل شدا، باستخدام آلات الزراعة القديمة البدائية، والتي تكون «الثيران» عاملاً أساساً في حرث الأرض. من جانبه، أوضح المدير التنفيذي لفرع هيئة السياحة والآثار في منطقة الباحة المهندس منصور الباهوت ل «الحياة» أن فرعه يجري دراسات لاستثمار «جبل شدا» الأعلى سياحياً، وذلك باستغلال ارتفاعه لرياضة التسلق، ومغامرات «السفاري».