ألقى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ظلاله على تفاصيل الحياة الفلسطينية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى رياضياً، إذ قضى عدد من الشهداء من الوسط الرياضي، وقصفت ملاعب عدة، ودُمّرت مقرات الأندية، وما ملعب ونادي بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، إلا دليل على ذلك. وعلى رغم إبرام بعض اتفاقات الهدنة الإنسانية، بين فترة وأخرى خلال العدوان الذي دام قرابة شهرين، بقي أكثر من 20 لاعباً غزياً في أندية كرة القدم بالضفة الغربية، لا يملكون القدرة على زيارة ذويهم في غزة، لعدم منحهم التصاريح اللازمة، وليس لهم إلا أن يعيشوا بأعصاب مشدودة، ويتابعون اخبار أقاربهم عن بُعد، بقلق بالغ. وعلى مدى قرابة شهرين من العدوان الإسرائيلي، لم يملك اللاعبون الغزيون في الضفة الغربية أي حيلة للتعبير عن تضامنهم مع عائلاتهم، وخوفهم الشديد عليهم، سوى المشاركة في الوقفات التضامنية مع قطاع غزة في رام الله وباقي مدن الضفة الغربية. إياد أبو غرقود، لاعب المنتخب الفلسطيني، ونادي هلال القدس، وهو من مخيم البريج جنوب قطاع غزة، والذي أُصيب شقيقه الأصغر، واستشهد ابن خالته بصاروخ إسرئيلي، يؤكد أنه بقي طيلة فترة العدوان على تواصل دائم مع لأهل والأصدقاء في غزة، ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة للاطمئنان عليهم. ويقول أبو غرقود (24 عاماً): «حياتنا كلاعبين غزيين في الضفه الغربيه صعبه جداً، لأننا بعيدون عن الأهل والأصدقاء. وأغلب وقتنا أثناء الحرب كنا نقضيه مع بعضنا البعض، كي نواسي أنفسنا، ونتفقد عائلاتنا دون انقطاع». ويضيف أبو غرقود، الذي عاصر حرب عام 2008 على غزة، «لا أحد يتمنى الحرب. الحرب صعبة جداً، لا ترى فيها غير مشاهد الدماء والدمار والخوف، ولا تفرّق بين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. الجميع مُستهدف، لكن هذا قدرنا والحمدالله على كل شيء». يحيى السباخي (24 عاماً)، الذي ينشط في صفوف نادي شباب الخضر، يقول: «كان القلق يسيطر علينا طيلة الوقت. نشعر كأننا مكبلون. لقد تعبت نفسيتنا، وحياتنا انقلبت رأساً على عقب. تفكيرنا كله هناك في غزة». ويتابع السباخي: «طيلة العدوان كنت أمضي اليوم متنقلاً بين المحطات الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والهاتف، لمتابعة الأخبار المتلاحقة من غزة عموماً ومن رفح خصوصاً (مسقط رأسه). كان الوضع سيئاً للغاية، ولم نكن نعرف إلى أين تتجه الأمور». صالح عسلية (27 عاماً)، نموذج آخر للاعبين الغزيين في الضفة الغربية، الذين أمضوا أياماً صعبة طية تلك الفترة، ويقول إنه كان يتوقّع وصول خبر سيء من مدينتة جباليا، شمال قطاع غزة، في أي لحظة. ويتساءل عسلية، الذي لم يلتق أهله منذ عام ونصف العام: «في حال وصول خبر استشهاد أحد افراد عائلتي، كيف سأصل إلى هناك؟ كيف سأتمكن من حضور الجنازة؟ كيف سأكون بجانب أهلي في هكذا محنة؟». ويطالب عسلية المؤسسات والمنظمات الرياضية الدولية بإيجاد حل جذري للمشكلة: «لا يُعقل أن نذوق الويلات، وأن نموت ألف مرة حتى نتمكن من الحصول على حق إنساني وطبيعي كفلته القوانين والشرائع الدولية، وهو الالتقاء بعائلاتنا». يعاني اللاعبون الغزيون من صعوبات عدة، أبرزها عدم السماح لهم من قبل إسرائيل التنقل بحرية بين محافظات الوطن الواحد، سوى بتصريح ليس من السهل الحصول عليه إطلاقاً، وفي حال سُمح لهم بزيارة غزة عليهم القيام بمهمة سفر طويلة وشاقة، تبدأ من الضفة الغربية مروراً بالأردن وصولاً إلى مصر، ومن هناك إلى معبر رفح، المنفذ الوحيد لغزة، إذا ما استثنينا معبر إيرز الإسرائيلي ذا الاجراءات المعقدة.