مجدداً، تطالعنا المائدة الدراميّة الرمضانيّة لهذا العام، بعمل يتناول سيرة إحدى مشاهير الفنّ والغناء العربي، هي الفنانة ليلى مراد. فمسلسل «أنا قلبي دليلي» لمخرجه محمد زهير رجب، ومن إنتاج «روتانا خليجية» وبطولة صفاء سلطان وأحمد راتب وعبدالعزيز مخيون وعزت أبو عوف وأحمد فلوكس، يتناول سيرة هذه الفنانة التي لاحقتها الإشاعات، خصوصاً ما أثير حول تبرعها بمبلغ 50 ألف جنيه لإسرائيل. ويرصد هذا العمل كيف سممت هذه الإشاعات حياة مراد، وضيقت عليها فنها، وجعلتها عرضة للاتهام والشبهات والحرب من قبل خصومها. ناهيكم بأن العمل يتناول الكثير من تفاصيل حياتها غير المعروفة، الشخصية والفنية، ورحلتها في عالم الفن والغناء والسينما، وعلاقاتها بمحيطها، وبالوسط الفنّي خصوصاً. وقد آثر هذا العمل الذي يأخذ اسمه من احدى أشهر أغاني ليلى مراد، أن يميط اللثام عن خفايا كثيرة في تجربتها ومعاناتها، منذ ولادتها عام 1918 والمراحل التي قطعتها في عالم الغناء والسينما منذ اختيار الموسيقار محمد عبدالوهاب لها لتشاركه بطولة فيلم «يحيا الحب» عام 1937، ثم عملها مع الفنان أنور وجدي وزواجها به، ومحاولة إقناع البعض لها للسفر لإسرائيل بعد تأسيسها عام 1948 ورفضها ذلك رفضا قاطعاً. فأصولها اليهوديّة، لم تعكّر صفو انتمائها المصري. و سلطت الحلقات الضوء على الكثير من الصعوبات والمشاكل في حياتها، والتي نجحت في اجتيازها بخاصة بعد سفر والدها إلى الولاياتالمتحدة لإحياء الحفلات، وتركه أسرته تواجه مصيرها. وظهر في هذا المسلسل، دور اليهود وقتئذ في مصر، وكيف أن البعض كان يشجّع الطائفة اليهوديّة على الهجرة إلى إسرائيل، وكيف طرحت هذه الفكرة على عائلة ليلى والاغراءات ب «أرض الميعاد» واستغلال محنة الفقر التي كانت تعانيها. وربما تتقاطع قصَة - سيرة هذا العمل مع ما شاهدناه في شهر رمضان الماضي على شاشات التلفزة عن سيرة فنانة كبيرة، لاحقتها الإشاعات والتشويه لشخصيتها واتهامها بالعمالة لمصلحة جهات أجنبية، وهي أسمهان. بالتالي، أثناء متابعة سيرة ليلى مراد في «أنا قلبي دليلي»، سنكتشف الجديد، إلى جانب تكرار الأحداث والمعلومات حول تفاصيل ومجريات المشهد السياسي، وعلاقة رموزه برموز الفنّ والغناء في مصر. بحيث تتكرر أحداث ما قبل وأثناء وبعد انقلاب تموز (يوليو) 1952، كنسخة لما شاهدناه في مسلسلي «أم كلثوم» و «العندليب»...!. هذه التفاصيل السياسيّة، صار المُشاهد يحفظها، بفعل التكرار في الأعمال الدراميّة. والحال هذه، وكأننا أمام تمرير أو تلقين التاريخ السياسي لمصر عبر سرد تواريخ وسير رموزها الفنيَّة والثقافيَّة!. أيَّاً يكن الأمر، وبصرف النظر عن مدى إتقان صفاء سلطان لدور ليلى مراد، عن الهفوات التي ارتكبها كاتب السيناريو مجدي صابر، أثناء معالجته لقصة صالح مرسي عن حياة ليلى مراد، فإنّ مسلسل «أنا قلبي دليلي»، سيفتح دوائر للنقاش والتداول حول معضلة الاتهام والتخوين التي ما زالت رائجة في الساحة السياسيّة والثقافيّة العربيّة. ناهيكم بأن هذا العمل، يُفترض أن يكشف شيئاً عن طبيعة السلالم السياسيّة التي كانت وما زالت رائجة في الأوساط الفنيّة والثقافيّة العربيّة. فحياة ليلى مراد، واتهامها بالخيانة، وتأثير ذلك على مسيرتها الفنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، حجبتها عن الأضواء، ومنعت عرض أفلامها في كثير من الدول العربيّة. وبقيت الأبواب موصدة في وجهها، بفعل تلك الاتهامات، والمزاحمات السياسيَّة، إلى أن أسلمت الروح سنة 1995. ولا شكّ في أن هناك مزايا في هذا العمل جديرة بالمراجعة والنقد، لكنّ ما يطل برأسه هنا هو مبدأ «أن الشخص المتّهم، يبقى متّهماً، حتّى يأتي كاتب سيناريو وشركة إنتاج ليثبتا براءته، عبر وثيقة دراميَّة»، ما يدفعنا الى القول ان هذا المسلسل أعاد الاعتبار إلى إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الغناء والسينما العربيّين.