من لم يقرأ رامبو لم يقرأ شعراً في حياته... بعضهم يعتقد أنّ هذا الشاعر الفرنسي الذي اعتزل الكتابة في التاسعة عشرة من عمره هو واحد من أهمّ الشعراء الذين عرفهم التاريخ، وأهم المؤثرّين في الشعر العالمي الحديث. ومع أنّه لم يعرف المجد الأدبي في حياته، يبقى رامبو أحد أهم الشعراء وأكثرهم ترجمة في العالم. وفي هذا السياق، صدرت ترجمة عربية لمختارات من شعر رامبو عن دار المدى في بيروت، في عنوان «آرثور رامبو، الأعمال الشعرية». إلا أن ما ضم الكتاب من قصائد مترجمة يسقط عنه صفة الأعمال الشعرية، فالمختارات ناقصة ولا تمثل كل أعمال رامبو الشعرية. وكانت ترجمات عدة لأعمال رامبو صدرت سابقاً وأنجزها شعراء وكتّاب منهم: صدقي إسماعيل، رمسيس يونان، خليل خوري، كاظم جهاد ورفعت سلام. قسّمت هيام النابلسي الكتاب إلى سبعة مواسم: «الطفولة»، «الطريق المفتوح»، «الحرب»، «القلب المعذّب»، «الحالم»، «الروح المعذبة» و «بعض الجبن المتأخّر». في مقدّمة كتابها، تعتبر النابلسي أنّ هذه الترجمة كانت بمثابة مشروع العمر، علماً أنّها سبق أن ترجمت أعمالاً كثيرة. ففي عام 1976 ترجمت النابلسي «أشعار الربّان» لبابلو نيرودا وقدّمتها لصديقها الشاعر الراحل محمد الماغوط، وكانت هي المرّة الأولى التي تترجم فيها شعراً. وحينها قال لها الماغوط: «كثيرون ترجموا نيرودا، فلماذا لا تترجمين أعمال رامبو؟ فهو لم يترجم بالكامل». هكذا، ارتبطت بداية هذا العمل بإشارة من الشاعر السوري الكبير، لكنّ تحقّق الحلم لم يكن بالسهولة التي اعتقدتها، بحيث استغرق منها إنجاز ترجمة أشعار رامبو واحداً وثلاثين عاماً، كانت ترجمت خلالها الكثير من الكتب والقصص والشعر. «لكنّ رامبو بقي بالنسبة إليّ مشروع العمر. كان شعره ينسرب داخلي ببطء ليعود فيولد ثانية محافظاً على كلّ قسماته وخصوصيته». من قصيدة «الأيتام في ليلة رأس السنة»: «الغرفة مليئة بالظلال/ تسمع فيها همساً هادئاً وحزيناً/ لطفلين أحنيا رأسيهما المثقلين بالأحلام/ تحت غطاء السرير الطويل الأبيض/ الذي يهتزّ ويرتفع/ وفي الخارج تتجمّع العصافير مقرورة/ أجنحتها خدرة تحت قبة السماء الرمادية/ والسنة الجديدة، بموكبها الضبابي/ تجرجر أذيال ثوبها الثلجي البياض...».