عند أطراف ميدان التحرير في وسط القاهرة اصطفت أمس مدرعات للجيش إلى جوار آليات للشرطة لمنع أي تجمعات في الميدان الذي كان مهد الثورة التي أطاحت الرئيس المخلوع حسني مبارك، قبل أن يحتضن التظاهرات التي أطاحت الرئيس المعزول محمد مرسي. ومرت أمس الذكرى الأولى ل «أحداث محمد محمود» من دون تظاهرات في الميدان الذي كان قبل ثلاثة أعوام في مثل هذه الأيام بؤرة لاشتباكات دامية بين آلاف المتظاهرين والشرطة، سقط فيها عشرات القتلى، ومثلت محطة فارقة في مسار الثورة. وكان آلاف الشباب تجمعوا في الميدان في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة، وجرت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة التي اقتحمت الميدان في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) لفض اعتصام فيه. وانتقدت جماعة «الإخوان المسلمين» المتظاهرين آنذاك، معتبرة أن هدفهم تعطيل مسيرة الانتخابات البرلمانية التي فازت فيها الجماعة. وحين أراد متظاهرون إحياء الذكرى الأولى للأحداث في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 إبان فترة حكم مرسي، فضت الشرطة التظاهرات بالقوة وقُتل شابان. لكن جماعة «الإخوان» التي تقود تحالفاً إسلامياً مناوئاً للسلطة الحالية، ظلت على مدى الأيام الماضية تعزف على وتر «الوحدة بين القوى الثورية». ودعا «تحالف دعم الشرعية» إلى التظاهر على مدار الأسبوع تحت شعار «قوتنا في وحدتنا»، مذكرة إياهم ب «مجزرة محمد محمود وشهدائها الأبرار». لكن تلك الدعوة أضعفت من عزم قوى سياسية كانت تنوي إحياء تلك الذكرى، وتراجعت كي لا تُحسب على جماعة «الإخوان»، إذ أعلنت قوى وائتلافات شبابية عدة الاقتصار على عقد مؤتمرات صحافية في مقراتها. ومن أهم تلك الكيانات «التيار الشعبي» الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وحزب «الكرامة» الناصري الذي قال في بيان إنه سينظم فعالية يحضرها صباحي في مقر الحزب لإحياء تلك الذكرى. ودعا الحركات الثورية والشبابية والقوى الوطنية إلى «ألا تنساق وراء الدعوات المشبوهة التي وجّهتها قوى معادية للوطن ومناهضة للثورة، وداعمة للإرهاب الأسود، للتظاهر في الشوارع في ذكرى أحداث محمد محمود». وأضاف البيان: «من المعروف أن أهداف تلك الجماعات المشبوهة، وفي مقدمها تنظيم الإخوان، هو توفير غطاء سياسي لوجودها في الشوارع الذي عادة ما يقترن بارتكاب أعمال عنف يكون ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعب والجيش والشرطة». واعتبر أن «تفويت الفرصة على أصحاب تلك الدعوات المغرضة هو بمثابة إعلاء لمصلحة الوطن، لا سيما أن تلك القوى هي ذاتها التي وقفت ضد الثوار وهاجمتهم وخونتهم أثناء وجودها في السلطة». ولم يستعد الميدان من ذكريات «محمد محمود» أمس سوى صافرات آليات الشرطة التي دوت في أرجائه، لدى توجهها إلى شوارع في وسط القاهرة، لدعم قوات من الشرطة دخلت في مواجهات مع عدد من الشباب، أصروا على إحياء ذكرى الأحداث. وكانت قوى شبابية وحزبية، أبرزها «حزر الدستور» وحركة «6 أبريل» و «الاشتراكيون الثوريون»، نظمت وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين في وسط القاهرة للمطالبة ب «القصاص» لقتلى «أحداث محمد محمود». لكن الشوارع المحيطة بالنقابة بدت ثكنة عسكرية، إذ اصطفت عشرات من سيارات الأمن المركزي ومئات الجنود في شارع عبدالخالق ثروت لمنع أي تجمعات أو مسيرات في محيط النقابة. وتجمع عشرات الشباب في شارع «شريف» القريب من النقابة وميدان التحرير، وخرجوا في مسيرة هتفت ضد الشرطة، وطالبت بالقصاص من قتلة المتظاهرين إبان أحداث الثورة، فتصدت لها قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع، وسط سماع دوي إطلاق نار. وطاردت الشرطة المتظاهرين في الشوارع، وألقت القبض على أعداد منهم. وفيما تحولت منطقة وسط القاهرة إلى «ساحة للتوتر»، خشية تجدد الاشتباكات، ظل ميدان التحرير «ساكناً»، إلا من دوي متقطع لصافرات مدرعات الشرطة. وخلا الميدان الذي كان شاهداً على كل أحداث الثورة من «ثواره» أمس، بعدما ازدان بتجديدات أجرتها الحكومة جعلته يستعيد رونقه، بعد سنوات شهدت ساحته فيها عشرات المعارك. وحتى محطة مترو الأنفاق في الميدان باتت «منسية» بعدما تم إغلاقها منذ عزل مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013، خشية تمكن «الإخوان» من التجمع في ميدان التحرير عبر بوابات المترو المُطلة على الميدان.