ينشطر المجتمع السعودي هذه الأسابيع تجاه رواية تسلقت الرفوف على استحياء، كونها التجربة الكتابية الأولى لمهندس كمبيوتر، ضاع عن تخصصه، وفقد عمره في صناعة العلامات التجارية، وأصدقاء سرقوا ماله وأحلامه، فهرب منهم إلى كتابة حكاية، بطلها جني يعيش مراهقة عاطفية، جرفته لعشق فتاة حجازية. كان فتيل اشتعال التضاد الأول قادماً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمداهمة أفراد منها رفوف مكتبات حاضنة للرواية من دون التزام بإجراءات معلنة مسبقة من وزارة الإعلام المتخصصة بإدارة سوق الكتاب، كانت حماسة وذريعة كتيبة المهاجمين وجود نفحات من سحر أسود بين دفتي الرواية وأدوات لتعليمه، ذلك نقلاً عن كاتبها إبراهيم عباس المكروب، المهموم، المتألم، لأنهم هاجموها قبل ما يقرأونها وفق كلامه. كان ذلك اختصاراً لما يعيشه المجتمع السعودي تجاه رواية «حوجن» الجني العاشق لسوسن الإنسية، أما أنا فمتورط في محاولة تفكيك نغمة غضب، تناثرت على أحاديث «حوجن» تجاه ضعف البنية التحتية والتراجع الحضاري وانتشار الشعوذة في مدينة جدة وتفسيرات خاطئة للدين وتهور الشبان، بينما انغماس المجتمع السعودي في أزمة السكن كانت أحد منغصات حياته، على رغم أنه جني لا يخضع «لمافيا» العقارات، ولا يتعاطى القروض الربوية. يتألم «حوجن» ويقسو على نفسه تجاه معاناة «أبو سوسن» المتمثلة بذهاب عمره وكل موارده المالية لشراء منزل بعد الوصول إلى سن التقاعد، ويعتقد «حوجن» بوجود ظلم كبير ينصب على كل من يتماثل مع أبي سوسن، وكأن حيازة بيت لا تتحقق إلا قبل حيازة قبر بقليل من الزمن. يلبس «حوجن» عباءة معارض يتحدث عن معاناتنا بلسان أنتم أو عندكم، ويتحدث عن السعوديين، على رغم أنه يسكن على أرضهم بضمير الآخر، ربما لأنه، كما وصف نفسه، شاب في ال90 كان موجوداً في جدة قبل عزف «ارفع الخفاق أخضر»، ثم كيف لا يكون منا وهو في ذات الحكاية يعاتب نفسه حول ارتباطه عاطفياً بفتاة ال21 ربيعاً، وهو يبلغ ال90، ربما ذلك لأنه لم يقرأ جيداً المجتمع السعودي وشغف المتقاعدين منه بتطبيق مشروع زوجة جديدة. كانت لماحة فكرة الراوي والرواية عن وجود إشكالات تنموية وفكرية في الجسد السعودي وطناً ومواطناً حد حديث الجن عنها، وكأن صحفنا، تلفزتنا، مجالسنا، وبرقياتنا المرفوعة إلى المقام السامي لم تجنِ حلولاً، وهو ما يعني أن الفضيحة تجاوزت الحيطان خبراً وألماً، لدرجة أنها أتاحت للجن مساحة سخرية. انتهت الرواية بتولي «حوجن» مهمة الإمساك بساحر وربطه في عمود كهرباء بجوار مسجد مع دليل إدانة، ربما كان ذلك سبب كاف لإغاظة أفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه نافسهم في مهنتهم، فداهموه على رفوف المكتبات، وربما لشنقوه لو أنه أمسك بشاب يهدد بنتاً بصور أرسلته إليه ذات ثقة، ولا أعتقد أن «حوجن» يرتكب غلطة بحجم مداهمة وكر خمور. فتحت يد «هيئة الأمر» المتسارعة لمنع رواية حوجن، نافذة على سؤال محروم من جواب واضح حول تداخل صلاحيات كيانات حكومية، وعن احترام كل كيان للآخر، بخاصة إذا كان مسمى رئاسة أصغر من وزارة، بينما آخر الأسئلة طار للتو حول عدد الجن وقانونية إقامتهم، وهل يتم إدراجهم ضمن مشروع تصحيح أوضاع المقيمين؟ [email protected] @jeddah9000