حدث ما لم يكن في الحسبان من جانبي الشعب والحكومة في مصر على شاشات الثلثاء والأربعاء الماضيين، أما الناقل، أي الإعلام المصري، فوجد نفسه طرفاً مع كل الأطراف، والسهام توجه إليه، الى درجة دفعت مقدمة برنامج «صباح أون» أماني الخياط إلى التساؤل صباح الخميس: هل كنت أستحق شتيمة المتظاهرين التي سمعتها بأذني؟ بدأت القضية منذ توقيع رئيس الجمهورية الموقت عدلي منصور على قانون التظاهر الذي فجر خلافات بين كل الأطراف، ومنها جبهة الإنقاذ وكثير من القوى التي نزلت إلى الشوارع في 30 حزيران (يونيو). شبان هذه القوى رأوا في القانون تقييداً لحريات جديدة جاءت بعد ثورتين، بينما راحت قنوات التلفزيون، تستضيف مداخلات المؤيدين والمعترضين إلى درجة أن «قانون تنظيم التظاهر» أصبح في رأي شريحة كبيرة «قانون منع التظاهر»، فيما تحولت المسألة لدى الطرف الآخر إلى «قانون احترام حقوق الشعب والدولة»، وهو ما قاله نقيب الصحافيين سابقاً مكرم محمد أحمد في برنامج «آخر كلام». كان هذا رداً على هتافات رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد ضد خطورة القانون. غير أن التطور الأكثر إثارة حدث في اليوم التالي حين تجمعت فئات من الشباب الرافض عند مبنى مجلس الشورى من دون الحصول على تصريح وفقاً للقانون، وبقصد إجهاضه، وهناك دخل الشباب الثوري في خلاف علني بسبب القانون، سجلته كل القنوات وسجلت أيضاً نداء رجال الأمن عبر مكبرات الصوت للابتعاد وفض التظاهرة. وهو المشهد الذي أثار مداخلات كثيرة مساء الثلثاء عبر كل البرامج المصرية، والذي كما يبدو، دفع الحكومة إلى عقد مؤتمر صباح الأربعاء للدفاع عن القانون. وسرعان ما اكتشف المشاهد أن بين وزراء الحكومة الانتقالية من يجيد الحديث مثل وزير الإسكان المهندس إبراهيم محلب، وأن وزيراً آخر يحمل حقيبة التعليم العالي كان أكثر إقناعاً من رئيس الوزراء نفسه في تقديم مبررات الحكومة. الأكثر إثارة في هذا الموقف هو استفتاء أجرته إحدى الهيئات تبين فيه رفض غالبية المصريين التظاهرات الآن لأنها «تعطل أحوال الناس» ووضعت أجهزة الإعلام في قفص الاتهام «لأنها تنتقي ما تريده، وتدفن ما لا تريد، والدليل على هذا، أنها لا تتوقف عند تظاهرات أو اعتصامات المناطق البعيدة في القاهرة ولا المحافظات بينما ترسل كاميراتها دائماً وأبداً إلى حيث يوجد الحدث في القاهرة عند الحكومة أو المعارضة»... وبصرف النظر ما إذا كان هذا الاتهام صائباً أم لا، فإن الموقف الآن في مصر تحول إلى ما يشبه الحروب الصغيرة التي يستخدم المحاربون فيها أسلحتهم الإعلامية في كل اتجاه. والضحية هو المشاهد. أما هؤلاء الإعلاميون الذين يتلقون المديح أو الغضب، فهذا قدرهم، بخاصة حين يصرّون على أن لا حياد في الإعلام... وهذه قضية أخرى.