استبقت حكومة رئيس الوزراء المصري الفريق أحمد شفيق مليونية «جمعة التطهير» التي دعت إليها المعارضة للمطالبة بإقالتها، باعتذار صريح عن «خطايا» النظام السابق «التي لا يتحمّل وزرها أعضاء الحكومة الحاليين». لكن المعارضة واصلت مساعيها لحشد التظاهرة وتمسكت بإقالة الحكومة باعتبارها «من بقايا النظام» السابق. وأصدرت الحكومة بياناً بدا محاولة حثيثة لكسب ثقة الشارع الذي اعتبرته «تحدياً»، وطلبت إمهالها فرصة «لإثبات جديتها في تلبية مطالب الجماهير». وتحدث البيان عن سياسات «حكومة الشعب» التي تبرأت من «العهد السابق»، وطلبت «فتح صفحة جديدة»، مثنية كثيراً على «الثورة» باعتبارها «حدثاً تاريخياً باهراً». وسجل المجلس الأعلى للقوات المسلحة موقفاً لافتاً أمس بإعلانه أنه يراقب «ما يحدث على الساحة الداخلية بكل دقة وحذر وما يتردد من تعبيرات سياسية مستحدثة مثل الثورة المضادة وخلافه ومحاولات إحداث الفتنة بين النسيج الوطني لهذه الأمة». وكان كتاب ومعارضون حذروا من سيناريو تنفذه أطراف مرتبطة بالنظام السابق من أجل الالتفاف على مطالب الثورة، غير أن اللافت هو أن المجلس أتى على ذكر هذا الأمر مقترناً بمحاولات إحداث الفتنة، في وقت بدأ التوتر الطائفي يطفو مجدداً بعد قتل قس في محافظة أسيوط وانتقاد شخصيات قبطية هدم الجيش سوراً أقامه رهبان حول دير في شمال مصر على أراضٍ مملوكة للدولة. وأكد المجلس العسكري في رسالة جديدة على صفحته على موقع ال «فايسبوك» أنه «يتم اتخاذ كل الخطوات التي تفي بتعهدات المجلس، ولا عودة للماضي. والهدف الأسمى حالياً هو تحقيق أماني وطموحات الشعب العظيم»، مناشداً «أبناء الوطن أن يكونوا كالبنيان المرصوص في مواجهة هذه المخططات التي لا تتفق مع أخلاق أبناء هذا الوطن الغالي وعاداتهم». وسعت حكومة شفيق إلى امتصاص غضب الشارع عبر بيان استخدم نبرة جديدة لم يعهدها المصريون في البيانات الحكومية، وصف الحكومة بأنها «حكومة الشعب» التي تتعهد «محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين أياً كانت مواقعهم، والعمل على بناء الثقة مع المواطنين». وحيا مجلس الوزراء الذي عقد أول اجتماع بتشكيلته الجديدة أمس «الحدث التاريخي الباهر الذي أعاد اكتشاف المعدن الأصيل للإنسان المصري وأعاد تقديمه في صورة أبهرت العالم تليق بتاريخ صناع مجد وبناة حضارة». وأكد أن «الثورة جاءت حدثاً إنسانياً وإنجازاً حضارياً وقادها شباب مصر الرائع وشارك فيها وساندها الشعب العظيم وحمتها القوات المسلحة بحكمة وشجاعة وحس وطني، وستظل مضرباً للأمثال ونموذجاً تحتذي به الشعوب عبر التاريخ». وأكد أن «تحقيق أهداف ثورة 25 يناير يتطلب المضي قدماً في خطوات الإصلاح السياسي وتأكيد العدالة الاجتماعية بين كل أفراد الشعب وتفعيلها، ما يتطلب استقرار الأوضاع الداخلية وانتظام العملية الإنتاجية وحفز الأداء الاقتصادي في كل مجالات العطاء والإنتاج والإبداع وبذل كل الجهود الوطنية من أجل استعادة الاستقرار الداخلي وفاء لتضحيات الشهداء الأبرار». وأشار إلى أن «الوطن يعيش لحظة تاريخية بحق، والتاريخ الإنساني لن ينصفنا إذا أضعنا هذه اللحظة الفاصلة وإذا لم نحشد كل قوانا الوطنية من أجل إحداث تحول حقيقي على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمصلحة كل أبناء مصر على اختلاف الأجيال والمواقع والقطاعات والطبقات». وأضاف أن «حكومة الشعب التي تبدأ مهامها تتطلع إلى أن تنال تأييد شعب مصر ومساندته لبرنامج عملها، واضعة نصب أعينها وعلى قمة أولوياتها بذل قصارى جهدها لتفعيل الثقة المتبادلة بين الحكومة والمواطن بعد سنوات مضت من الأخطاء المتراكمة التي ارتفعت أحياناً إلى مرتبة الخطايا، وعلى رغم أن هذه الممارسات الخاطئة لا يتحمل وزرها أعضاء الحكومة الحاليون، إلا أن مجلس الوزراء الجديد يعتذر عنها ويتفهم ويقدر أسبابها وسيعمل كل ما يتطلبه الأمر لإزالة آثارها السلبية والانطلاق مع العاملين من أبناء الوطن نحو أفق واعد وجديد». وأقر البيان بأن الحكومة «تدرك صعوبة استعادة الثقة المهدورة عبر سنوات وتتفهم أسباب تشكك المواطن في السياسات الحكومية وفي التصريحات والممارسات الرسمية، على ضوء الخبرات السلبية السابقة، لكنها تقبل التحدي وستحاول مخلصة أن تفتح صفحة جديدة على أساس الحوار الجاد والمصارحة المسؤولة بين الشعب وحكومته، مدركة أن عملها لا يستقيم من دون اكتساب هذه الثقة الغالية». وتعهد «المضي في برنامج عمل لمكافحة الفساد باعتبار أن ملاحقة الفساد ومعاقبة مرتكبيه أياً كانت مواقعهم هما قضية قومية لا تحتمل التأخير، على أن تتم بشفافية مطلقة احتراماً لمبدأ العدل وسيادة القانون، وتأكيد أن دور الحكومة الحقيقي هو إدارة موارد هذا البلد وثرواته لمصلحة كل فرد من أبنائه». ولفت إلى أن «الالتزام بحقوق الإنسان في المرحلة المقبلة ليس تفضلاً من الحكومة، بل هو الحق الطبيعي الذي يجب أن يتمتع به كل فرد على أرض مصر في ضوء الشرائع السماوية والقوانين الوضعية»، كما تعهد المجلس «تبني برنامج عملي واضح لتنفيذ الأهداف التي يطمح إليها كل أبناء الشعب على أن يرتبط بجدول زمني يمكن متابعته، ويتيح محاسبة الحكومة على مدى التقدم في الإنجاز». ووعد «بتوفير كل أسباب المساندة لأسر الشهداء والمصابين وتقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي لهم والاستجابة للمطالب الفئوية المشروعة والحفاظ على حقوق المواطن وكرامته واحترام حرية التعبير وتفعيل آليات مكافحة الفساد والحيلولة دون تكرار أخطاء الماضي وإطلاق عدد من المشاريع القومية لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، بما يدفع عجلة التنمية ويتيح فرص العمل». وأكد شفيق أن «ما يحدث في مصر تحول حقيقي لا رجعة فيه». في المقابل، واصلت قوى المعارضة الحشد لتظاهرة مليونية اليوم للمطالبة بإقالة حكومة شفيق. وأكدت «حركة شباب 6 أبريل» استمرارها في التظاهر لحين الاستجابة إلى مطالب الشعب وفي مقدمها إبعاد أركان النظام السابق من السلطة، وهو النهج نفسه الذي اتبعته جماعة «الإخوان المسلمين» و «ائتلاف شباب الثورة» وعدد من الحركات الاحتجاجية والأحزاب. وقال الناطق باسم «حركة 6 أبريل» محمد عادل ل «الحياة»: «سنواصل التظاهر للمطالبة برحيل شفيق وأركان النظام السابق وذيوله، وإطلاق المعتقلين السياسيين كافة»، مشيراً إلى «وجود عشرات المعتقلين من الشباب لا يزالون يقبعون داخل السجون على رغم نفي السلطة». ودعا إلى «تشكيل لجنة مستقلة لدراسة أحوال المعتقلين». واستنكر المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي عدم محاكمة قتلة المتظاهرين. وقال في صفحته على موقع «تويتر»: «لم نر حتى اليوم في قفص الاتهام من قتلوا شباب مصر الطاهر... عدالة بطيئة هي عدالة غائبة». وتساءل عما إذا كانت ستتم «محاسبة المسؤولين عن الفساد السياسي والتشويه المخزي للدستور والقانون الذي تسبب في كل أنواع الفساد الأخرى». وأكد القيادي البارز في «الإخوان» محمد البلتاجي أن «المليونيات لن تتوقف قبل إبعاد أركان النظام السابق من إدارة شؤون البلاد». وقال ل «الحياة»: «الشعب أسقط النظام، فلماذا يحكم أعوانه حتى الآن، وكيف تدار أمور البلاد بعد الثورة بعقلية ما قبل الثورة؟ هذه الحكومة غير مؤتمنة على الحرية والديموقراطية التي خرج من أجلها الشباب في 25 يناير». إلى ذلك، أكد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أمس تعرض نائب الرئيس السابق عمر سليمان لمحاولة اغتيال مطلع الشهر الجاري، من دون أن يتهم أحداً. وقال في مقابلة مع قناة «الحياة» الفضائية إنه شاهد السيارة التي كان يستقلها سليمان «التي تعرضت لهجوم بالرصاص في منطقة منشية البكري (في حي مصر الجديدة شرق القاهرة) على يد مجموعة كانت تستقل سيارة إسعاف مسروقة في محاولة لاغتياله». وأضاف أن «المحاولة الفاشلة أسفرت عن مصرع أحد حراسه وإصابة السائق إصابة خطيرة من الممكن أن تكون أودت بحياته في ما بعد، كما أدت إلى إصابة حارس آخر له». وأكد أبو الغيط في مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني غيدو فيسترفيلله أمس أن هذه المسألة «في يد الجهات القضائية... نحن لسنا جهة تحقيق، لكن أتصور أن جهات التحقيق تجري تحقيقاتها في هذا الصدد». والتقى وزير خارجية ألمانيا أمس رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الوزراء ووزير الخارجية. وتعهد تقديم بلاده «كل الدعم لتصل الثورة الديموقراطية إلى أهدافها». وقال: «من هذا المنطلق نقدم عرضاً لشراكة ديموقراطية وسنبذل كل ما في وسعنا لدعم عملية التحول الديموقراطي وان تحقق هذه الثورة الثمرات المرجوة منها، ونحن سعداء بأن هذا التحول الديموقراطي لا رجعة فيه، ونأمل في أن يعود ذلك بالنفع على المصريين». من جهة أخرى، شدّد وزير الداخلية محمود وجدي على أن وزارته «تبذل كل الجهود لضبط السجناء الهاربين وإعادتهم إلى السجون مرة أخرى، مع وضع أسس للتعامل مع السجناء الذين يقومون بتسليم أنفسهم للجهات الأمنية، ودراسة وضعهم القانوني وكيفية استفادتهم من قرارات العفو والإفراج المشروط». وأكد أنه لن يتم إصدار أية قرارات اعتقال، مشدداً على «ضرورة اتخاذ كل الإجراءات القانونية قبل أي واقعة وتقديم مرتكبيها للعدالة». واستمرت حال الاستقطاب أمس بين الشرطة والشارع، إذ تسبب ضابط شرطة في اندلاع أعمال عنف أضرم فيها محتجون النار في سيارة أمس في ضاحية المعادي (جنوبالقاهرة)، بعدما أطلق الضابط صلاح السجيني الرصاص على سائق حافلة ركاب صغيرة بسبب خلاف على أسبقية المرور. ولم تهدأ الاحتجاجات بعد قرار وزير الداخلية وقف الضابط عن العمل وإخطار النيابة العامة للتحقيق معه، إذ توجه الغاضبون إلى قسم شرطة المعادي وحاولوا اقتحامه بعدما حطموا سيارة الضابط وأوسعوه ضرباً وسعوا إلى اقتحام منزله. على صعيد آخر، طالب رئيس «نادي قضاة مصر» المستشار أحمد الزند بإلغاء جميع الصلاحيات المخوّلة لوزير العدل في قانون السلطة القضائية «الماسة باستقلال القضاء» بحيث تؤول إلى مجلس القضاء الأعلى. ودعا إلى «إلزام وزير العدل تنفيذ كل الأحكام القضائية النهائية التزاماً بسيادة القانون واستقلال القضاء».