توقع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن تكون مصر مقبلة على "أيام صعبة" لكنه أكد أن بلاده ستقف بقوة إلى جانب "حقوق الشعب المصري" وستدعم في الوقت عينه حكومة القاهرة لتحقيق ذلك، وكشف أنه اتصل بنظيره المصري، حسني مبارك، بعد انتهاء خطابه، ودعاه إلى الالتزام بما جاء في كلمته - التي أقال فيها الحكومة - من تعهدات حول الإصلاح الاقتصادي والسياسي. وقال أوباما، في كلمة ألقاها بعد دقائق من انتهاء خطاب لنظيره المصري: "نتابع الأوضاع في مصر، وسيكون هناك بالتأكيد المزيد من المعلومات التي سنعرفها غداً.. همنا الأساسي هو عدم خسارة أرواح، وأطلب من السلطات المصرية عدم قمع المظاهرات بالعنف." وأضاف: "هناك حقوق معترف بها عالمياً للشعب المصري ولسواه من الشعوب، وبينها حق التجمع والانضمام إلى أحزاب وتقرير المصير، وأمريكا ستدافع عن هذه الحقوق. أطلب من حكومة مصر التراجع عن قرار تعليق عمل الانترنت والاتصالات،و على المحتجين من جانب آخر التعبير عن أنفسهن بسلام ودون عنف لأن العنف لن يوصل لنتيجة." وأوضح أوباما أن للولايات المتحدة "علاقات قوية" مع مصر، غير أنه لفت إلى أن ذلك لم يمنع واشنطن من دعوة القاهرة للقيام بإصلاحات تترافق مع ما يريده الشعب من إصلاحات لمشاكل تراكمت على مدار السنين." وكشف أوباما أنه اتصل بمبارك بعد انتهاء خطاب الأخير وأوضح: "قلت له (مبارك) إن عليه الالتزام بكلماته، وأكدت له أن العنف لن يحل الموقف وأن قمع الأفكار لا يزيلها من الرؤوس، أن الموقف بحاجة لخطوات عملية." واعتبر أوباما أن الشعب المصري له الحق بتحديد مصير بلاده، وأن المطالب المصرية تشمل "حياة أفضل وحكومة عادلة تتناسب مع الحضارة العريقة للشعب المصري،" وأكد أن واشنطن "ستعمل مع الشعب المصري وحكومته لتحقيق ذلك،" ولفت إلى أنه على امتداد العالم العربي "يوجد جيل شاب يريد حق الاستماع إلى رأيه." وختم أوباما كلمته المقتضبة بالقول: "هناك أيام صعبة قادمة، ولكن أمريكا ستقف مع شعب مصر وستدعم حكومته لتحقيق هذه الأهداف." وكان مبارك قد طلب من الحكومة الحالية تقديم استقالتها وأكد أنه سيكلف حكومة جديدة (غداً) بمهام جديدة، مشيراً إلى أنه سيتحمل مسؤوليته الأولى في حماية أمن مصر، مؤكداً انحيازه الكامل للفقراء وأبناء الشعب، وأن قناعته لا تتزعزع لمواصلة الإصلاح من أجل مجتمع حر. وأعرب عن أسفه لسقوط ضحايا في صفوف المواطنين وقوات الشرطة، مشيراً إلى أن مصر دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون، مبيناً في هذا الخصوص أنه طلب من قوات الشرطة حماية حق المواطنين في التعبير عن رأيهم. وفي كلمته المقتضبة التي ألقاها عبر التلفزيون المصري، قال: "أنحاز كل الانحياز لحرية التعبير عن الرأي"، مشيرا إلى أن شباب مصر أغلى ما لديها، محذرا في الوقت نفسه من الاندساس بينهم لإشعال الحرائق، وأضاف: "علينا أن نحاذر من أمثلة عديدة انزلقت إلى الفوضى." كذلك، لفت الرئيس المصري إلى أن هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية على مدى سنوات ما كان لها أن تتم لولا حرية التعبير في مصر وما تشهده البلاد من تفاعل قوى المجتمع. وناشد مبارك كل مصري ومصرية الحفاظ على الوطن، مبينا أن ما حدث خلال هذه التظاهرات يتجاوز ما حدث من نهب وحرائق. وفي محاولة لمخاطبة المطالبات الشعبية، أشار مبارك إلى ما وصفه ب"برامجنا" المقترحة لمحاصرة البطالة والمزيد من خدمات التعليم والصحة، مبينا أنها (أي البرامج) تظل رهنا بالمحافظة على مصر مستقرة. إلى ذلك، قال مبارك إن أحداث اليوم والأيام القليلة الماضية ألقت في قلوب الغالبية من الشعب الخوف على مصر، مشدداً "لن أسمح بهذا الخوف أن يستحوذ على مواطنينا،" وحذر من "مخطط لزعزعة الاستقرار." وكان الناطق باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، قد أكد في وقت سابق أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يتصل بنظيره المصري، حسني مبارك، طوال أزمة الاحتجاجات الحالية، ولوحّ بمراجعة المساعدات السنوية المقدمة للقاهرة إن لم تسلك طريق الإصلاح السياسي، كما قلل من دور تنظيم "الإخوان" ونفى الاتصال به. ميدانياً تمكن الجيش المصري من إعادة الهدوء إلى معظم مناطق العاصمة واستقبله الناس بالتهليل، في حين انكفأت الشرطة من الشوارع. وقال غيبس إن أوباما "يراقب عن كثب الأوضاع في مصر والتي تتغير بسرعة، وقد لقد اجتمع مع مستشاره للأمن القومي، وحصل على بعض المعلومات منه، بينما اتصلت الحكومة الأمريكية مع نظيرتها الغربية. ونفى غيبس أن يكون أوباما قد اتصل بمبارك، وشدد على أن بلاده تطلب من جميع الأطراف ضبط النفس وعدم اللجوء إلى العنف، وأضاف أن الحل للأزمة الحالية يجب أن ينبع من المصريين أنفسهم. وأضاف: "من المهم على الحكومة المصرية معالجة المشاكل المستمرة منذ سنوات.. نحن لم ننتظر الأحداث كي نقول للحكومة المصرية إننا نشعر بالقلق حيال قضايا حقوق الإنسان وحرية الإعلام والتعبير." ورفض غيبس المقارنة بين ما يجري في مصر وما جرى في تونس، وقال إن التعميم أمر غير صحيح، ولدى سؤاله عن أهمية مصر الإقليمية والدولية قال: "رأينا دور مصر في قضايا السلام بالشرق الأوسط ولديها دور كبير، ولكن هناك مسؤولية تقع على عاتق حكومة مصر - بصرف النظر عن دورها الدولي - وهو أن عليها مواجهة المشاكل التي تراكمات خلال سنوات في البلاد، هذه فرصة جيدة للقيام بإصلاحات عميقة تعالج مكامن القلق لدى الشعب المصري." ولم يستبعد غيبس أن تلجأ الولاياتالمتحدة إلى الضغط على القاهرة عبر المساعدات السنوية التي تقدمها لها، وقال إن واشنطن "تراقب تصرفات الحكومة والجيش في مصر وستقرر الموقف على أساس خلاصة المراقبة." وندد غيبس بما جاء من معلومات حول وضع المعارض محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قيد الإقامة الجبرية، فقال: "موقفنا من ذلك يتصل بحق الحرية والتعبير، وهو (البرادعي) شخصية دولية حائز على جائزة نوبل وقد عملنا معه في السابق في مواضيع دولية كبيرة." وتابع قائلاً: "نريد انتخابات حرة، وقد أدنا في السابق قانون الطوارئ المفروض منذ ثلاثة عقود، ولكننا لا نرى أن الخلاف حول الموضوع يحل بالعنف من أي طرف." ورداً على سؤال حول دور الإخوان قال "الاحتجاجات الشعبية ليس مصدرها حزب بل مطالب عامة، ولم نتصل بالإخوان." وكانت المسيرات والاحتجاجات في شوارع القاهرة ومدن مصرية أخرى قد استمرت حتى بعد دخول قرار حظر التجول حيز التنفيذ، ووصل المحتجون إلى المركز الأساسي للحزب الوطني الحاكم، وأشعلوا النار في مبنى ملاصق له، بينما تطرقت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، للوضع بمصر، ودعت السلطة لإعادة الاتصالات ووقف استخدام القوة ضد المتظاهرين. بالمقابل، أعلنت السلطات المصرية أن حظر التجول الذي كان يقتصر على بعض المدن الكبرى سيمتد الآن لكامل البلاد. وقالت كلينتون، في مؤتمر صحفي: "نتابع مراقبة الوضع في مصر، ونحن نشعر بالقلق حيال استخدام القوة ضد المتظاهرين، ونطلب من الحكومة منع القوى الأمنية من استخدام العنف وندعو المتظاهرين في الوقت نفسه للتعبير عن أنفسهم بشكل سلمي." وتابعت كلينتون، في كلمتها التي جاءت بصيغة مكتوبة بعناية: "ندعم حرية الشعب المصري بالتعبير وتنظيم الأحزاب والمظاهرات، وندعو القاهرة للتراجع عن خطواتها غير المسبوقة بحظر وسائل الاتصال، على السلطة أن تدرك بأن القوة لن تنهي الشكاوى الموجودة." وأكدت كلينتون استعداد الولاياتالمتحدة على المساعدة في شراكة بين الحكومة المصرية والشعب لوضع الحلول الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة. وختمت بالقول: "نريد الشراكة مع الشعب المصري وحكومته لفهم تطلعاته بالعيش في مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان." ودعت وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها إلى عدم السفر إلى مصر إلا في الحالات الضرورية، مشيرة إلى وجود حالة من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والاجتماعي في البلاد، إلى جانب التوترات التي أخذت طابعاً عنيفاً في الشارع. وقالت الخارجية الأمريكية: "نحض مواطنينا على تأجيل الرحلات غير الضرورة إلى مصر، أما بالنسبة لرعايانا داخل مصر حالياً، فنطلب منهم إلغاء كل التنقلات غير الضرورة والتزام الحذر والبقاء في منازلهم أو فنادقهم خلال حصول مظاهرات وتجنب محاولة الوصول للسفارة بسبب احتمال قيام قوات الأمن بإغلاق الطرق المؤدية إليها." وكان الرئيس المصري، حسني مبارك، قد أصدر مساء الجمعة، بصفته الحاكم العسكري للبلاد، قراراً حظر فيه التجول في العاصمة القاهرة ومدينة الإسكندرية والسويس، وذلك بسبب ما قال إنه "تحول للمسيرات الاحتجاجية عن هدفها وانتقالها إلى التدمير والسلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة،"على أن ينتشر الجيش للمساعدة على تطبيق القرار، في حين فرضت السلطات على المعارض محمد البرادعي، الإقامة الجبرية في منزله. وبحسب بيان نقله التلفزيون المصري الرسمي، فإن قرار حظر التجول يطبق اعتباراً من الجمعة وحتى إشعار آخر، وستمتد ساعات حظر التجول من السادسة مساء وحتى السابعة صباحاً. وأشار البيان أن القرار جاء "نظراً لما شهدته بعض المحافظات من أعمال شغب واعتداء على البنوك والفنادق،" وسيقوم الجيش بمساعدة الشرطة على تطبيق القرار والحفاظ على الأمن والممتلكات،" وهو أول تدخل للجيش المصري في هذه الأحداث. وفي واشنطن، طلب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، من معاونيه تقديم "ملخصات دورية" حول الأوضاع في مصر بشكل يومي، وفقاً للناطق باسم البيت الأبيض، طومي فيتور، الذي قال إن أوباما لم يتصل بالرئيس حسني مبارك، الذي تستهدفه الاحتجاجات حاليا، ولكنه أشار إلى أن الحكومة الأمريكية تتواصل مع نظيرتها المصرية "عبر القنوات الدبلوماسية." وبحسب فيتور، فإن أوباما يتسلم ملخصات المعلومات من مستشار الأمن القومي، طوم دونيلن، الذي سيواصل تقديمها إليه على شكل دوري. وكان مراسل CNN في العاصمة المصرية القاهرة، قد أكد قبل ذلك تدفق وحدات من الجيش المصري إلى شوارع العاصمة التي تشهد مواجهات مع الآلاف من المحتجين منذ انتهاء صلاة الجمعة، في حين أكد مصدر أمني مطلع لCNN أنه قد جرى وضع المعارض محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قيد الإقامة الجبرية في منزله. من جانبها، أكدت الخارجية الفرنسية على لسان الناطق باسمها، برنارد فاليرو، أن الشرطة المصرية أفرجت عن أربعة صحفيين فرنسيين في القاهرة، كانت قد أوقفتهم خلال تغطيتهم للمسيرات الاحتجاجية الدائرة فيها، بينما بدأ التلفزيون المصري الرسمي للمرة الأولى بتغطية الأحداث وبث صور مباشرة للمسيرات الاحتجاجية، مع استضافة معلقين يشيرون إلى حق الشبان بالتظاهر. وأوردت القناة عن مصدر أمني لم تكشف اسمه قوله إن الوضع الأمني تحت سيطرة الأجهزة المعنية في مصر، ودعا المصدر الناس إلى "عدم الانزعاج أو الانجرار وراء الشائعات والتضخيم الإعلامي،" وباشرت القناة الرسمية اتصالاتها بمحافظي مختلف المحافظات المصرية لمعرفة الأوضاع لديهم. وكانت قوات الأمن قد عززت من تواجدها في شوارع المدينة الرئيسية، بينما تواصلت دعوات أكبر الجماعات المعارضة للنظام الدعوة للتظاهر والاحتجاج. وقبل بدء صلاة الجمعة، كانت سيارة شرطة مكافحة الشغب تجوب مناطق مختلفة من القاهرة. ونقلت الأنباء عن اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في مدن مصرية أخرى، إضافة إلى وقوع إصابات بين المتظاهرين. وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من قيام السلطات الأمنية بحملة اعتقالات طالت عدداً من رموز حركة الأخوان المسلمين، رافقها تعطل في خدمات الإنترنت والرسائل النصية الهاتفية، وذلك استباقاً ل"جمعة الغضب والحرية." ففي بيان له على صفحته في موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، أعلن موقع "ويكيليكس" في وقت متأخر الخميس إنه سيبدأ بنشر وثائق سرية حول مصر. وقال في بيانه: "سوف نبدأ قريباً بنشر عدد كبير من الوثائق المتعلقة بمصر"، غير أنه لم يحدد موعداً لذلك. وقبل ساعات مما يتوقع أن يتحول إلى أكبر مظاهرات احتجاجية معارضة للحكومة في البلاد، أوقفت السلطات خدمة الإنترنت جزئياً، كما منعت خدمة الرسائل النصية، كما اعتقلت زعماء بارزين في جماعة الأخوان المسلمين فجر الجمعة، لمنعها من المشاركة في المظاهرات التي دعت إليها جماعات معارضة أخرى، مثل حركة شباب 6 إبريل، وأطلق عليها اسم "جمعة الغضب والحرية." واعتقلت السلطات عدداً من زعماء حركة الأخوان المسلمين في ساعات الفجر الأولى من الجمعة، وعرف منهم الناطق الرسمي باسم الحركة، عصام العريان، وفقاً لما ذكره زوج ابنته، مشيراً إلى أن اعتقلته في الثانية والنصف فجر الجمعة. ووفقاً للعديد من الشركات المزودة لخدمة الإنترنت، تبين أن الأجهزة الخادمة الموفرة للخدمة الرئيسية في مصر تعطلت جزئياً، حيث كانت مواقع الإنترنت الحكومة وموقع السفارة الأمريكية في مصر قد تعطلت في وقت مبكر من الجمعة.