وصفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية في عددها الصادر يوم 6 آب (أغسطس) الماضي صفقة شراء جيف بيزوس (مؤسس موقع «أمازون» للبيع بالتجزئة) لشراء المؤسسة التي تصدر صحيفة «واشنطن بوست»، (أبرز الصحف الأميركية والعالمية التي لعبت دوراً مهماً في التاريخ السياسي والإعلامي الأميركي من خلال تغطيتها لفضيحة «ووترجيت») في مقابل 250 مليون دولار، بالهزة في صناعة الصحافة والإعلام الأميركي. وسبق هذه الصفقة بيع صحيفة «نيويورك تايمز» لصحيفة «بوسطن غلوب» في مقابل أقل من 10 في المئة من المبلغ الذي اشترته بها عام 1993 وهو 1.1بليون دولار، إذ بيعت في مقابل 70 مليون دولار إلى جون هنري صاحب ناد لرياضة البيسبول. باختصار، دخلت الصحافة مرحلة جديدة وحرجة يحتم عليها التعامل مع متغيرات المشهد الإعلامي الجديد الذي بات يعتمد على التقنية، وهو ما يشير إلى تحول كبير وإجباري ستشهده الصحافة بفعل التهديد الرقمي وأساليب الإعلام الحديث، الذي باتت أقرب وأحب للمتلقي مقارنة بالأساليب التقليدية. وغيرت ثورة الاتصال والمعلومات التي اجتاحت المشهد الإعلامي منذ عقد ونيف علاقة المتلقي للمعلومات بمصدر المعلومة ومرسلها، وبات بمقدور المتلقي التفاعل مع المعلومة والتأثير فيها بعدما أصبح الاتصال في اتجاهين بدلاً من اتجاه واحد كما كان في الماضي الذي رسخه الإعلام التقليدي، وهذا التغير أسهم بدوره في تغيير علاقة الصحافة بالجمهور، وكذلك في دفع المؤسسات الإعلامية إلى أن تبني طرقاً جديدة لمواكبة هذا التحول في المشهد الإعلامي بصفة عامة. في الوقت ذاته، شكل هذا التحول تحدياً كبيراً لكثير من المؤسسات الإعلامية ومهنة الصحافة بشكل عام التي كان من الواجب عليها مواكبة هذا التحول، فمنها من استطاعت وحافظت على مكانتها الإعلامية والمهنية والاقتصادية التي نشأت عليها، ومنها من أدركت أن موجة التحول حتمت عليها الدخول مع شركاء جدد لديهم القدرة عل التعايش مع الواقع الحالي وتلبية حاجات الجمهور في هذا العصر الرقمي، ومنها من استسلمت ومنها من ما لا يزال ترى أنها بمنأى عن هذا التحول وأبعاده. لا يعتبر الواقع الإعلامي العربي بعيداً عن الواقع الإعلامي العالمي لكن استجابته لبعض التأثيرات تختلف في إطار نسبي يزيد أو ينقص بحكم المتغيرات والظروف التي تحكمه سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.. وبدا العالم العربي مستجيباً للمتغيرات التي طرأت على الصحافة والإعلام بفضل التطورات التقنية والوسائل الحديثة، وبدأ بتوظيفها بناءً على ظروفه وحاجاته، وهو ما اتضح جلياً خلال الأعوام القليلة الماضية التي شهدت تغيرات سياسية كان للإعلام الجديد دور بارز فيها. وتندرج أبرز المتغيرات التي من الممكن أن تؤثر في الواقع الإعلامي العربي حالياً ومستقبلاً، تحت «التأثيرات في الجمهور» و«التأثيرات الاقتصادية» و«التأثيرات المهنية». وفي ما يأتي قراءة في واقع هذه التأثيرات في الإعلام العربي لخصت من ورقة عمل لرئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود الدكتور أسامة النصار.