قبل أيام أدرج مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة 84 جهة حول العالم في قائمة المنظمات الإرهابية، مسجلاً بذلك قفزة هي الأولى من نوعها في تجريم «الاستغلال الحزبي للدين»، واعتبار ذلك «إرهاباً» وإن لم يترجم بعمليات تفجير وقتل وإدانات قانونية، وهذا ما يمكن اعتباره موقفاً طليعياً استشرافياً شجاعاً لم يسبق الإمارات إليه أحد، وهو موقف يحمل رسالة ضمنية فحواها أن تجريم الفكر الإرهابي الذي يحوّل الدين إلى «حزب أو تنظيم سياسي» مقدم على تجريم العمليات الإرهابية على الأرض، وهذا بالطبع نتاج سياسة واعية بالخطر الحقيقي الذي يهدد الواقع الإسلامي اليوم في مختلف بقاع هذا الكوكب. قائمة الإرهاب الإماراتية ساوت تماماً بين التنظيمات المسلحة ك «الإخوان» و «القاعدة» و «داعش»، وبين الجماعات والهيئات والأحزاب المدنية التي تتدثر بالشعارات الإسلامية في دول أوروبا، والولايات المتحدة، على رغم عدم تجريمها هناك. والسبب كما أفهمه ويفهمه من له اطلاع تام على أدبيات هذه الجماعات والهيئات يتلخص في كونها المحضن الفكري الأساس للإرهابيين، والرافد الحقيقي للجماعات المسلحة في سورية والعراق وليبيا وغيرها، فالإرهابي الذي خرج من بريطانيا إلى تركيا ليتسلل عبر الحدود إلى العراق وسورية بهدف الانضمام الى صفوف «داعش» لم يكن «داعشياً» أو «قاعدياً» في شكل تنظيمي مباشر قبل خروجه من بلده، بل كان تلميذاً مخلصاً تربى على فكر الهيئات الأوروبية الإسلامية التي جرمتها القائمة الإماراتية مستبقة حتى تجريمها في دولها الأم، وهذه ميزة السياسة الإماراتية التي عودت المجتمع الدولي على تسجيل المواقف الشجاعة في مكافحة الإرهاب مبكراً، وعدم ترك أي ثغرات قانونية أو تشريعية في أنظمتها يمكن أن تؤدي للتسامح مع الفكر الإرهابي، وربما شرعنته، كما يحدث في كثير من الدول التي تدور في دوامة «وهم مكافحة الإرهاب» منذ سنوات طويلة بينما هي في واقع الأمر ترقد على فوهة بركان من محاضن الفكر الإرهابي وتغذيه من دون أن تشعر، تاركة مستقبلها السياسي وأمنها ومصير مواطنيها رهناً للظروف أو في شكل أصح «على كف عفريت». لا أعلم حقيقة ما إذا كانت قائمة الإرهاب الإماراتية ستصبح نافذة في دول مجلس التعاون الخليجي بناء على الاتفاقية الأمنية بينها، لكن ذلك يبدو صعباً بالنسبة إلى الدوحة على الأقل التي تحتضن يوسف القرضاوي، وهو وفق القائمة الزعيم الرسمي لإحدى المنظمات الإرهابية «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، هذا طبعاً إذا تجاهلنا كونه الزعيم الروحي للتنظيم الدولي ل «الإخوان المسلمين». لكن يبقى ذلك مجرد ورقة ربما تضاف إلى ملف تسوية الخلاف الخليجي مع قطر، المهم أن تستلهم بقية دول الخليج الموقف الإماراتي من جماعات الإسلام السياسي في أي بقعة على وجه الأرض، وتجرمها قانونياً، فهذا ما يمكن أن يُعبر عنه بعبارة «تجفيف منابع الإرهاب»، لأن الإرهاب بكل بساطة «فكر» أما العمليات الإرهابية فنتيجة لا أكثر. * كاتب إماراتي