تركي بن محمد بن فهد يطلق عددًا من المبادرات الإنسانية والتنموية    نصف مليون غرامة ضد 79 فندقًا في مكة والمدينة    عملية جراحية لمحترف الاتحاد    رقم قياسي لسالم الدوسري في دوري روشن    الدفاع المدني يكثف جولاته بالمدينة المنورة    1200 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية خلال أسبوع    رحلة ما قبل المئة على مسرح تعليم الباحة    ليالي وِرث الرمضانية تنطلق بأبراج الساعة    إفطار رمضاني صدقة عن الأموات بحارة الدير بالدرب    يلملم بوابة معتمري الجنوب    2 مليار خطوة في 5 أيام    القبض على باكستاني في جدة لترويجه (1.4) كجم (شبو)    البرتغال تدرس كافة الخيارات لاستبدال طائرات اف-16 الأميركية    هالاند يحقق رقم تاريخي غير مسبوق مع مانشستر سيتي    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : بئير    الجالية الهندية في جازان تقيم مأدبة إفطار رمضاني    شركة المربع الجديد تشارك في مؤتمر MIPIM 2025 العقاري    إنتاج العنب المحلي يتجاوز (122) ألف طن سنويًا    الكشافة يحققون أكثر من 26 ألف ساعة تطوعية في خدمة زوار المسجد النبوي خلال النصف الأول من شهر رمضان    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    اندريك يعوض نيمار في منتخب البرازيل    أكثر من 21 الف مستفيد.. "نور" تقدم برامج دعوية خلال أسبوعين من رمضان    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العظام ويحفظ تاريخًا يمتد إلى 14 قرنًا    النصر يتغلّب على الخلود بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في الوقت القاتل .. ضمك يخطف فوزاً ثميناً من القادسية    ضبط (23865) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الوحدة يتغلّب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ( التطلي) والذكريات الرمضانية    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    أمطار رعدية غزيرة وجريان للسيول في عدة مناطق بالمملكة    "ستاندرد آند بورز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "A+"    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شبه جزيرة ميناهاسا في إندونيسيا    إنجاز سعودي في الأولمبياد الشتوي الخاص    واشنطن تطرد سفير جنوب إفريقيا    قصر ضيافة ومباني فندقية وسكنية في مزاد "جود مكة"    تفعيل مبادرة صم بصحة في فعالية إفطار حي خضيراء الجماعي    إفطار رمضاني يجمع صحافيي مكة على إطلالة البيت العتيق    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لدى المكسيك    الكشافة يقدمون خدماتهم لزوار المسجد النبوي    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    المملكة ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين جمهوريتي طاجيكستان وقرغيزستان    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    قطاع ومستشفى بلّحمر يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    محافظ الطائف يناقش تقرير لجنة الأسواق الشعبية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    عَلَم التوحيد    العلا.. تضاريس ساحرة ونخل باسق    المشي في رمضان.. رياضة وصحة    نصائح لمرضى الكلى في رمضان.. يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة    الصين تتفوق عسكريا على أمريكا    خناقة بمسجد!    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة العقل وأحداث «الربيع العربي»
نشر في الحياة يوم 26 - 11 - 2013

في أمسية من الأمسيات الثقافية لمجلس الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي الرمضاني قبل أربعة أعوام تقريباً، ألقيت محاضرة بعنوان: «إحياء المدرسة العقلانية الإسلامية»، ولاقت في ما أظن استحسان الحضور الكرام، وعزمت بعد تلك المحاضرة أن أتابع البحث والدراسة في هذا الموضوع، لكي أحاول أن أغوص في إشكالاته وأسباب غياب مدرسة العقل عن رسم صورة معقولة للنهضة الإسلامية والعربية المفقودة منذ أكثر من سبعة قرون، ولكن الكسل الفكري والانشغال بأمور الحياة الأخرى جعل قراءاتي ودراساتي محدودة في هذا الاتجاه.
وقبل أيام عدت من جديد للنظر في الأفكار التي سطرتها في مسودة المحاضرة، ووجدت أن بعضاً منها يصلح لأن يطرح من جديد في مثل هذه المقالة وربما مقالات مقبلة، وبخاصة أن أحداثاً عظاماً لامست شغاف قلوب بعض العرب، وأنعشت آمالهم بنهضة جديدة، ومن أهم تلك الأحداث بلاشك ثورات الربيع العربي التي لا تزال تداعياتها تحرك الرمال التي سكنت لفترة طويلة من الزمن. فبعد أن فشل خيار «الجهاد» المسلح الذي قادته جماعات متطرفة خلال 20 عاماً في إحداث تغيير حقيقي في واقع المسلمين، فشل أيضاً ما يسمى ب«الإسلام السياسي» الذي وصل إلى سدة الحكم بعد ثورات الربيع العربي في تقديم نموذج يمكن أن يكون مقبولاً في الإطار السياسي المحلي والدولي المعاصر، وفي الوقت نفسه يقدم مشروعاً متسقاً مع المقاصد العظمى لقيم الدين الحنيف ورسالة الإسلام الخالدة. وقبل ذلك وبعده يظهر قصور الفقه الديني السلفي في الاستجابة لحاجات الحياة المعاصرة وتعقيداتها وتنوعها، وفي تقديم نموذج متماسك يجعل الإنسان يعيش بحرية وطمأنينة وسلام وانفتاح على الآخرين وفي الوقت نفسه ملتزم بأصول الدين وقيمه العظمى.
اعترف المفكرون الإسلاميون الكلاسيكيون المعاصرون بتخلف المسلمين الحضاري في كل نواحي الحياة تقريباً. فعلى رغم المزايا التي منحها الله للمسلمين من ثروات طبيعية هائلة ومواقع جغرافية مميزة وثروات بشرية شابة، وقربهم من مصادر المعرفة والتقدم التكنولوجي الغربي، فتلك الميزات تحولت إلى عوائق ومثبطات لروح النهضة التي بحث عنها المسلمون منذ سقوط الأندلس حتى اليوم. لكن معظم من كتب عن أسباب تخلف المسلمين أرجع ذلك إلى عوامل خارجية تتعلق بالاستعمار والمؤامرات الغربية التي سعت إلى الحيلولة ضد امتلاك المسلمين والعرب لمفاتيح العلم والتقدم الحقيقي، فيما أرجع البعض تلك الأسباب إلى الأنظمة السياسية التي يرون أنها عميلة للغرب، تنفذ أجندته وتعمل على إبعاد المخلصين عن مواقع القيادة والتأثير في الأمة، فيما حاول البعض الآخر الإسهاب في جوانب تقنية مثل الاستبداد السياسي أو عدم الاهتمام بالبحث العلمي أو إلى ضعف التكامل الاقتصادي أو إلى غياب الأهداف الاستراتيجية. والبعض الآخر يحيل الموضوع إلى أسباب أخلاقية، فيرى أن عوامل التخلف تأتي بسبب انتشار المعاصي والموبقات وشيوع الفساد والظلم وهدر الحقوق وغير ذلك.
لكن مؤشرات فشل ثورات الربيع العربي ومآلات تأزم الوضع الراهن على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، تؤكد أن المشكلة الأساسية ليست في تلك العوامل التي ذكرت آنفاً، بل إنها في الأساس تعود إلى سبب أعمق من ذلك بكثير، وهو ما أسماه بعض المفكرين بأزمة العقل العربي والمسلم، وليست بأزمة إمكانات ورغبات ونوايا وأماني وإخلاص. لقد كشفت الأحداث أن العقل العربي والمسلم بعيد جداً عن مهارات التفكير السليم، ولم يستطع إيجاد المؤسسات والمناهج التي تقود إلى التحليل والتشخيص العقلاني للواقع بصورة صحيحة، ومن ثم اتخاذ المواقف المناسبة والملائمة للتغلب على المشكلات والتحديات ورسم الخطط للتقدم إلى الأمام. والمسألة لا ترتبط بفصيل أو تيار سياسي معين، فأزمة العقل متساوية لدى الجميع، سواء لدى أولئك الذين يرفعون الشعارات الدينية أم أولئك الذين يرفعون الشعارات القومية والوطنية. فالجميع يتخبط في مواقف متناقضة واتهامات متبادلة وهروب جماعي من تحمل المسؤولية الأخلاقية والمعنوية، والبحث عن الذرائع من خلال مواقف الآخرين، وليس من خلال قصور عقولهم في فهم الواقع وتقديم الحلول العقلانية التي يمكن أن تنجح على الأرض، لمعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة.
إذاً لا بد من أن نعود إلى الموضوع الأول من خلال إعادة إحياء مدرسة العقل في الفكر الإسلامي، وتقديم نموذج تربوي وتعليمي جديد يعيد تشكيل وبناء عقول الأجيال المقبلة منذ الصغر من مراحل التعليم الباكرة بمنح الطفل مساحة من الحرية المسؤولة، لكي تساعده في بناء مهارات التفكير والتأمل والاستكشاف والنظر في الأمور من دون عقد، وتعطيه الثقة للتعبير عن نفسه وعن آماله وآلامه مع رعاية حانية وتوجيه أخلاقي سليم من دون وصاية وتكبر، مع عدم الاحتفاء بنموذج «الصحوة الكاذبة» التي اهتمت بالمظاهر، لتتوافق مع الفتاوى الفقهية الصارمة والرقابة الاجتماعية المهلكة، وفي الوقت نفسه الاحتفاء بالنماذج الناجحة مهما كان ميدان نجاحها بسيطاً ومحدوداً، وإبعاد التعليم قدر الإمكان من ميدان السياسة أو جعله ميداناً للتنافس الفكري والآيديولوجي المقيت.
* أكاديمي سعودي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.