يشعر زائر معرض الوثائق العمانية في نسخته الرابعة التي تستضيفها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية في مسقط، أنه يقوم بجولة تاريخية للتعرف على تاريخ البلد وحضارته وأهم ميزاته. وثائق وصور نادرة وخرائط (نحو 500) جمعت من مصادر خارجية ومحلية بينها وثائق من مواطنين عملوا على تسليمها لهيئة المخطوطات بعد طول تردد وعرضت أمام الجمهور. قسّمت أجنحة المعرض إلى مجموعة أقسام، فهناك ركن الأئمة والسلاطين يستعرض مجموعة من صور ورسائل هؤلاء على امتداد مراحل مختلفة من التاريخ العماني، حيث تعايش العمانيون مع بعضهم بعضاً تحت حكم دولتين، دولة السلاطين في مسقط وعلى امتداد الساحل، ودولة الإمامة في المناطق الداخلية من البلاد، قبل أن تتوحد في دولة واحدة، وتحول اسمها من سلطنة مسقطوعمان، إلى سلطنة عمان، وضم ركن آخر ما يتعلق ب «عُمان والعالم» ليوضح العلاقات الدولية بين السلطنة وبقية دول العالم المختلفة. وخصص ركن آخر للوثائق الخاصة التي يمتلكها المواطنون وسجلت لدى الهيئة، فيما استعرض ركن الصور التاريخية والخرائط القديمة المدن والقرى والموانئ والبنادر التي جابتها السفن العمانية على مدار حقب زمنية مختلفة، وبينت مدى أهمية تحديد المسارات البحرية التي تربط السلطنة والمحيط الهندي وشرق أفريقيا والجزيرة العربية والمناطق الآسيوية وحجم التبادل التجاري بين عمان ودول العالم. وعند أول قاعة من قاعات العرض وفي أقصى جهة اليمين نقرأ رسالة من الإمام ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة إلى سعيد بن خلفان يوصيه فيها ببعض الوصايا ويطلب اطلاعه على أحوال الباطنة وصحار بشكل خاص وكذلك نواحيها. الرسالة غير مؤرخة ولكن المعروف أن ناصر بن مرشد حكم في منتصف القرن السابع عشر الميلادي. وإلى جانبها رسالة ودية شخصية من قيس ابن الأمام عزان بن قيس إلى السلطان حمود بن محمد وتعود الرسالة إلى عام 1896م. وفي رسالة أخرى تستقر بالقرب من هذه الرسائل نقرأ رسالة من الشيخ محمد إلى جوان سلطان البرتغال شكره فيها على ضيافته وتعود الرسالة إلى عام 1532، ولا يتضح من التفاصيل المرفقة مع الرسالة من هو الشيخ محمد هذا، ولكن واضح انه من سادة القوم وكبرائهم. تكشف هذه الرسالة تفاصيل إنسانية جميلة وعلاقات اجتماعية تتسم بالبساطة في ظاهرها ولكن بالتعقيد في تركيبتها العامة لأنها تحتاج إلى فهم وذكاء لتفكيك منظومة الروابط التي تقوم عليها والديبلوماسية التي تنطلق منها الكثير من الرسائل والخطابات. وتتعدد أركان المعرض، فمن ركن وثائق الأصول الذي يشمل المراسلات وعقود البيع والشراء والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والوصايا وبعض الأوسمة والتهاني وغيرها إلى ركن يضم العملات والطوابع، وآخر للمخطوطات القديمة، يستعرض بناء نظام إدارة الوثائق في الوحدات الحكومية والذي يوضح منظومة العمل وأهمية إرساء هذا النظام العصري لحفظ الوثائق، وصولاً إلى ركن الترميم والتعقيم الذي يقدم شرحاً طرق الترميم الحديثة وتوضح فيه خطوات الترميم الآلي واليدوي. وأدخلت الهيئة إلى معرض هذه السنة، ركناً للتاريخ الشفوي لتوثيق وحفظ التاريخ المروي الذي يمثل جزءاً من الذاكرة الوطنية إلى جانب الوثيقة المكتوبة، ويقدم فريق عمل متخصص ومدرب في مجال التاريخ الشفوي شرحاً عاماً عن المشروع الساعي إلى حفظ جانب من الإرث والمخزون العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والأدبي للإنسان. وتحدث رئيس الهيئة حمد الضوياني عن أهمية المعرض في تقديم صور حية للزائرين تعرفهم على التاريخ العماني منوهاً بأن السلطنة «بمختلف مسمياتها في العصور الغابرة ظلت حاضرة في الكتابات السومرية والبابلية والآرامية والفرعونية وغيرها بجغرافيتها وامتداداتها التاريخية في قلب الحدث التاريخي لكل الحقب الزمنية». وأشار إلى دور الهيئة في البحث عن مزيد من الوثائق في «الأرشيف العالمي والجامعات في عدد من الدول الأوروبية والأفريقية والعربية فضلاً عن الوثائق العامة لدى الجهات المعنية التي سنشرع العام القادم ضمن برنامج وخطة عمل لفرزها ونقلها كوثائق تاريخية لدى الهيئة».