أصدرت الرئاسة المصرية أمس قانوناً مثيراً للجدل يضع قيوداً شديدة على حق التظاهر ويمنح صلاحيات واسعة لأجهزة الأمن، تصل إلى حد فض التجمعات بالسلاح، ويمنع ضمنياً الحق في الاعتصام. فيما أظهرت الاستجابة المحدودة لدعوة جماعة «الإخوان المسلمين» إلى تظاهرات أمس ضعف قدرة أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي على الحشد. وحظر القانون الذي أصدره أمس الرئيس الموقت عدلي منصور «الاجتماع لأغراض سياسية في أماكن العبادة أو في ساحاتها أو ملحقاتها، كما يحظر تسيير المواكب منها وإليها أو التظاهر فيها». وألزم منظمي التظاهرات «إخطار قسم الشرطة قبل نحو ثلاثة أيام عمل على الأقل على أن يتضمن الإخطار مكان الاجتماع وخط سير الموكب وموعد بدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة وموضوع الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة والغرض منها والمطالب والشعارات التي يرفعها المشاركون في أي منها وأسماء الأفراد أو الجهة المنظمة للاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة وصفاتهم ومحل إقامتهم ووسائل الاتصال بهم». وأعطى وزير الداخلية حق «منع التظاهرات أو إرجائها أو تغيير مسارها في حال وجود معلومات أو أدلة على تهديد الأمن والسلم على أن يبلغ مقدمي الإخطار قبل الموعد بأربع وعشرين ساعة على الأقل، ويجوز لمقدمي الإخطار التظلم إلى قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الابتدائية الخاصة على أن يصدر قراره على وجه السرعة». ومنح القانون أجهزة الأمن حق فض التظاهرات «إذا صدر أي فعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون»، على أن يبدأ الفض بالإنذار ثم «استخدام خراطيم المياه والهراوات والغازات المسيلة للدموع»، وصولاً إلى «التدرج من خلال الطلقات التحذيرية وطلقات الخرطوش المطاطي وغير المطاطي، وفي حال لجوء المشاركين إلى استعمال الأسلحة يتم التعامل معهم لرد الاعتداء بوسائل تتناسب مع رد الخطر». وخوّل القانون أجهزة الأمن الحق في منع الاعتصامات، إذ نص على «ضرورة تحديد مدة زمنية للحق في التجمع أو التظاهرة، ومن حق أجهزة الشرطة تفريق المتجمعين في حال تجاوزوا تلك المدة»، كما أنه قوض الحق في الإضراب العام إذ حظر «تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو التأثير على المرافق العامة أو النقل أو تعطيل حركة المرور». وسارع حقوقيون إلى التحفظ عن مواد القانون. وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» ناصر أمين إن «القانون لم يلب كل التحفظات التي أبديناها، إذ إنه ساوى بين الحق فى التجمع والحق في التظاهر، ونرى أنه بهذا الشكل قد يؤدي إلى تقويض الحق في الاضراب، كما أنه حظر ضمناً الحق في الاعتصام، إضافة إلى أنه لا يمكن أن تقوم على تنفيذ القانون وزارة (الداخلية) كان يجب أن يطالها إصلاح مؤسسي، وهو ما يعاظم تخوفنا». وانتقد مؤسس «حركة 6 إبريل» أحمد ماهر طريقه إصدار القانون ومحتواه. وقال ل «الحياة» إن «رئيس الوزراء وعد بنقاش مجتمعي في شأن القانون قبل تمريره، لكن هذا لم يحدث... وتم تجاهل الاعتراضات بحجة الظرف الاستثنائي». وأضاف أن القانون «يقمع ولا ينظم... إذا كان التخوف الآن من تظاهرات الإخوان، فهذا القانون يمكن أن يستخدم لمنع تظاهرات العمال أو التظاهرات المطالبة بالحريات». في المقابل، دافع رئيس الحكومة حازم الببلاوي عن القانون، قائلاً انه «لم يكن للحد من حق التظاهر، لكنه قانون يهدف إلى حماية حقوق المتظاهرين... لا نطلب منهم الحصول على إذن لكن عليهم الإخطار». إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء أمس أن مصر ستبدأ في رفع الدعم عن الوقود بالتدرج قبل أن نهاية ولاية الحكومة الانتقالية بعد انتخاب رئيس جديد، ربما الصيف المقبل. واوضح الببلاوي في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» إن «الحكومة تريد تخفيض دعم الوقود في شكل تدرجي وبما لا يمس الشريحة الدنيا من المواطنين». ولملف تقليص الدعم حساسية شديدة في مصر، إذ لم تتصد أي حكومة بقوة لمسألة دعم الوقود المتضخمة خوفاً من اشعال اضطرابات، رغم المطالب المتكررة من المانحين الدوليين. وقال الببلاوي: «أعتقد بأن هذه الحكومة يجب أن تتوصل إلى برنامج للسنوات الخمس أو السبع المقبلة وأن تحاول تنفيذ المرحلة الأولى»، في إشارة إلى برنامج خفض دعم الوقود الذي يلتهم نحو خُمس ميزانية الدولة. وشدد على أن «هذه المرحلة يجب أن تكون معتدلة ومقبولة في شكل معقول»، مؤكداً أن الاصلاحات «لن تمس دعم الغذاء. الأمر سيكون مقصوراً على الطاقة». وأضاف: «يجب أن نمضي بعناية وتمهل، لأن نجاح مثل هذا البرنامج يتوقف إلى حد كبير على تنفيذ المرحلة الأولى التي يجب أن تكون حقيقية، لكن أيضا مقبولة، لأنها لو فشلت، لن يجرؤ أحد على القيام بها مجدداً». وأشار الببلاوي إلى أن المرحلة الأولى من إصلاحات الدعم تعتمد على «المسار السلس لخريطة الطريق». وقال: «كل شيء يعتمد على المسار السلس لخريطة الطريق، لو أجرينا الاستفتاء في شكل سلس وناجح ومن ثم الانتخابات البرلمانية، فإن ذلك سيشجع الحكومة على أن تكون جريئة بما يكفي».