يبدو ان المثل الاميركي «ليس هناك اقدم من صحيفة الامس» فقد معناه. الصحافة الالكترونية، ألغت جريدة الامس، واصبحت الصحف «تطبع» نسخاً كل دقيقة. تحولت الصحف الى كائن حي، تعيش الحدث في كل لحظة، وتتفاعل معه في شكل مثير. فهي تسترد ذاتها من القراء، وتعاود ترتيب اخبارها، وصوغ عناوينها، وتبديل صورها، وتعود الى القراء صحيفة أخرى صدرت في التوّ واللحظة، وتفعل ذلك على مدار الساعة. لم يعد هناك طبعة اولى ونسخ قديمة. اصبحت الصحافة الالكترونية مثل النهر، والورقية مثل البحيرة الراكدة، انه الفرق بين الحي والميت، والمثل الشعبي يقول «الحي يحييك، والميت يزيدك غبن». الجدل حول زوال الصحافة الورقية لم يتوقف، وسيستمر بعض الوقت، والمدافعون عن الورق يعجبك كلامهم وتبريراتهم العاطفية التي ينفطر لها القلب، لكن مشهد النهاية لم يعد بعيداً، والنهاية لا تعني الزوال والغياب الكامل، بل غياب الوجود الفاعل والمؤثر. سوف تتحول الصحف الورقية الى «تحف»، الى شيء قديم يحلو للبعض اقتناؤه والاستمتاع بملمسه ومنظره وتذكّر أيامه الخوالي، تماماً كما يفعل الناس مع التحف والاشياء القديمة، فضلاً عن ان صفة القدم بدأت تلاحق الصحف الورقية، وتسيطر على صورتها وسمعتها، فالانسان اصبح يقرأ آخر الاخبار في جريدته الالكترونية قبل النوم، وفي الصباح يجد الصحف الورقية على مكتبه، لكنه يشعر انه قرأ هذه الصحف من قبل، ويخالجه شك في انها صادرة ايام قارون، فيعود الى تاريخها ليتأكد، لكن تاريخها الجديد لا ينقذها من تهمة القدم، فهي طبعت ليل البارحة، وصدرت بعدها عشرات النسخ الالكترونية، تجاوزها الزمن. لم يبق للصحف الورقية سوى عامل التعود على ملمس الورق، لكن هذه العادة لن تصمد طويلاً، وغداً يتعود الناس على ملمس لوحة المفاتيح والجريدة التي تتحرك وتتكلم، ويستعذبون الجريدة التي تتغير أمامهم في كل دقيقة، تعجبهم «الطباعة» المتكررة. غداً سيعيش الناس في عالم بلا ورق، عالم بلا صحف، وأخبار. غداً سيقول الناس لبعضهم، هل تذكر تلك الايام، يوم كنا نقرأ الاخبار على الورق.