مرّ أكثر من 3 سنوات على انطلاق بث قناة «سورية دراما»، غير أنها لم تنجح في إرساء هوية بصرية خاصة بها، ولا تزال تتخبط بين هويتها الدرامية «المعلنة» وبين الحراك السياسي والعسكري على الأرض، ما حوّلها في بعض الأوقات إلى قناة سياسية، متناسية هويتها الأساسية، فيما أصبحت في أوقات أخرى ذات طابع ديني، قبل أن تستقر على خليط عجيب بين الثلاثة أفرغها من محتواها الفني والدرامي المفترض. متابع قناة «سورية دراما» الحكومية السورية الآن، سيجد هوّة بين اسم القناة وبين ما تقدمه، فالشريط الإخباري الدائم في أسفل الشاشة (سياسي غالباً) يترافق أحياناً مع خبر عاجل في أربعة أو خمسة أسطر (يحتل نصف الشاشة) يتحدث عن بطولات الجيش الباسل وإنجازاته، في حين تظهر الخلفية (البث الأساسي) برنامجاً سياسياً أو نشرة أخبار أو درس دين. ضمن هذه التركيبة «العجيبة»، سيعتقد المشاهد السوري خصوصاً والعرب عموماً أن القناة التي يتابعها لا تمت للدراما بصلة، بل هي قناة إخبارية أو منوعة في أحسن الأحوال. ويتجسد هذا الأمر في الثامنة مساءً بتوقيت دمشق مع نشرة الأخبار، أو في الثالثة ظهراً من يوم الجمعة، مع بث برنامج «ساعة حرة» السياسي، أو مع بث برامج دينية في المناسبات الموسمية (العيد أو رمضان أو المولد النبوي أو رأس السنة الهجرية). أما في بقية الأوقات فتحاول القناة أن تصبغ بثها بطابع «درامي»، لكنها في معظم الأحيان تفشل في ذلك، مع وجود الشريط الإخباري الدائم، والأخبار العاجلة المتلاحقة. وبمعزل عن المشكلة السياسية العالقة والأخبار العاجلة والشريط الإخباري ونشرة الأخبار ودرس الدين والبرامج السياسية، فإن أبرز المشاكل التي تعاني منها القناة، هي غياب سياسة الدورة البرامجية، والتجديد في تفاعلها مع المشاهد. فمعظم البرامج اليومية - بعيداً عن تكرار عرض المسلسلات السورية - لم تتغير منذ أكثر من عام، بل إن شكلها وطريقة تقديمها وأسلوب عملها وطروحاتها، تعود إلى القرن الماضي، مرتكزة بذلك على تجربة الفضائية السورية وطريقة إدارتها. وتشهد برامج القناة حالة من الاستسهال في الإعداد والإهمال في التقديم والتسرع في الإخراج، وكأن الأمر عبارة عن تغطية لساعات البث بمعزل عن النتائج أو ردود الفعل، فمثلاً برنامج «أهل الفن» الذي يستضيف - كما يعرّف عن نفسه - نجوم الفن، أصبح يستضيف بعض الوجوه الشابة الجديدة، في حين أن القناة تملك برنامجاً أخر يحمل اسم «وجوه جديدة» ويقدم الوجوه الشابة. فيما يفتقد برنامج «وراء الكاميرا» الذي يقدم العاملين وراء الكواليس من ماكياج وديكور وغيرها، الى الحيوية، وكأن هذه المهن والفنون تحصيل حاصل، أو عنصر مكمل، لا يقدم ولا يؤخر في شكل العمل الدرامي. أما برنامج «الحلقة السابقة» الذي يبث يومياً، فهو أحد المشاكل المزمنة بين برامج القناة، إذ يبث في 30 دقيقة أحداث الحلقات السابقة من المسلسلات التي عرضتها القناة في اليوم السابق. ولا يرى المتابعون في هذا البرنامج أكثر من محاولة لتعبئة ساعات البث، ما دفع أحد الخبثاء إلى اقتراح تقديم برامج أخرى مشابهة لتغطية البث الفضائي وساعاته الطويلة، منها «المشهد الأخير» و«المشهد الأول»، و«لحظة الختام»، و«الحدث الأبرز»، والتي تعتمد كلها على تكرار ما بث في اليوم السابق إما بمشهد وإما بحدث وإما بلحظة ما من الأعمال الدرامية. على صعيد آخر، يتناسى القائمون على القناة أن كلمة «دراما» التي تتصدر اسمها تعني كل الأنواع الدرامية، ولا تتلخص بالمسلسلات التلفزيونية، ما لا يبرر غياب المسرح والسينما إلا في حالات نادرة. كما يتناسى هؤلاء اسم «سورية» الموجودة في عنوان «القناة»، فعندما يلتفتون إلى الأنواع الدرامية الأخرى، ومنها السينما، يعرضون أفلاماً أجنبية ولبنانية، في حين أن المكتبة السينمائية السورية مليئة بالإنتاجات المهمة، والتي تستحق ان تجد طريقها إلى الشاشة. بين الزاوية الإخبارية والقضايا السياسية والدينية، وبين المشاكلة الفنية في البرامج الدرامية، وبين إغفال الأنواع الدرامية الأخرى، أضاعت قناة «سورية دراما» بوصلتها، وفقدت هويتها التي لم تستطع في الأساس أن تتبناها، لتكون «قناة» سورية حكومية أخرى، تعمل بأسلوب لا يمت للاحترافية بصلة، وبعيدة كل البعد من المنافسة العربية.