حين يتنقل المشاهد بين القنوات الفضائية خلال شهر رمضان لا يجد أمامه خياراً سوى متابعة المسلسلات التي غطت على سواها من البرامج، إذ بلغت مدتها في اليوم الواحد 18 ساعة على قنوات عدة، وهذا الوقت الطويل ليس مفاجئاً، لكون المسلسلات العربية وصل عددها إلى 200 عمل. في مقابل هذا الحضور الدرامي، غابت برامج الأطفال عن القنوات الفضائية الكبرى في العالم العربي، إذ سيطرت المسلسلات على الخريطة البرامجية لمحطات «أم بي سي» و«أبوظبي»و«دبي» و«روتانا خليجية» و«قطر». وأظهرت قائمة البرامج لقناة «أم بي سي» بث 15 ساعة يومياً للأعمال الدرامية، نالت المصرية منها نصيب الأسد بخمس ساعات، بينما حظي المسلسل التاريخي العربي الوحيد «عمر» بأعلى نسبة مشاهدة، فيما تركزت الكوميديا في الفترة الذهبية بعد الإفطار مباشرة وإعادتها في وقت الفجر، وأعطت القناة الترفيه ثلاث ساعات لبرامج المسابقات المباشرة، في حين انقسمت البرامج الدينية والثقافية إلى ثلاثة أقسام، أولها يأتي بأسلوب دعوي تقليدي عبارة عن توجيه النصائح والإرشادات الدينية وآخر حواري، وثالث اجتماعي بلمحات دينية تتضمن لقطات من دول عدة. وخصصت قناة «دبي» 18 ساعة من برامجها للمسلسلات، 10 ساعات منها للأعمال الخليجية، فيما تقاسمت الدراما الاجتماعية المصرية والتركية المدبلجة ما تبقى من وقت البث الترفيهي، وانقسمت ساعات البث الثقافي والاجتماعي بين برامج ثقافية تتناول جوانب مختلفة من حياة بعض الشخصيات العامة وبرامج دينية مباشرة وبرنامج للطبخ،ولم تتعد مساحة بث الأخبار واحداً في المئة. وحازت قناة «أبوظبي» على أكبر نسبة للترفيه في خريطة برامجها ب19 ساعة بث للمسلسلات اقتسمت المصرية والخليجية النصيب الأكبر، بينما حصلت السورية على أربع ساعات فقط، وحضرت البرامج الدينية فيها في شكل لافت ب 3 ساعات يومياً، فيما حلّت الثقافة والأخبار في المركز الأخير بساعتين فقط. وامتازت قناة «روتانا خليجية» بنوعية البرامج الثقافية والدينية والحوارية على رغم قلتها مقارنة بالمسلسلات التي بلغت مدتها في اليوم الواحد 18 ساعة معظمها سعودية. ورأى مدير جامعة اليمامة الدكتور أحمد العيسى أن المجتمعات الخليجية أمام كارثة إعلامية، «لوجود تقصير على المستويين الفكري والرسمي في ما يتعلق بالطرح والنقد الموجود على الساحة، وكذلك التشريعات التي تكفل طرح إعلام ناضج وبناء». وطالب بحراك ثقافي في المسرح والسينما، لاحتضان الشباب، «لكون معظمهم يعاني من السطحية والخواء الفكري نتيجة برامج مسابقات سخيفة أو تهريج درامي طوال العام». وقال العيسى ل «الحياة»: «الجيل الحالي والمقبل محاصر بوسائل إعلام تقوده إلى تسطيح في الرؤية وتضعه أمام نظرة افتراضية للواقع وليست حقيقية، وأتحدى أن يكون في جيل المدارس أو الجامعات حديث أو اهتمامات أو تطلعات تتعلق بمشكلات التنمية الموجودة حالياً»، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام «اتجهت للترفيه بحثاً عن تحقيق مكاسب مادية مغرية في الوقت الذي لا تحتاج إلى كفاءات علمية ومتخصصة لإنتاج مثل هذه البرامج». وأضاف: «كما هو واضح بإمكان أي شخص تقديم سيناريو ضعيف ومفكك أو قصة ضعيفة المحتوى وهذا واقع المسلسلات في رمضان، إذ اعتمدت على التهريج والتقليد والانحطاط في الذوق والوعي». ولفت إلى «عدم وجود جهات رسمية أو متخصصة تدرس مثل هذه الظواهر وتقدم حلولاً لتجنب تلك المعضلة الثقافية». وأكد أن الشباب خرجوا من سلطة البث التلفزيوني إلى وسائل الاتصال الأخرى.