لم يكد يبلغ العام الجاري نهايته، حتى جاء قرار مجلس الوزراء السوري بإحداث هيئة عامة للإذاعة والتلفزيون، ليشكل المحطة الإعلامية الابرز في هذه السنة المنقضية، بل ربما في تاريخ التلفزيون السوري الذي بدأ إرساله عام 1960. وتولي مديرة التلفزيون السوري ديانا جبور «أهمية قصوى» لهذا القرار الذي يراعي، بحسب رأيها، «خصوصية العمل الإعلامي الذي ينطوي على جوانب فنية وإبداعية وفكرية، تجعله مختلفاً عن الجهات الإدارية الأخرى»، لافتة الى أن هذا القرار، «يمنح مرونة في العمل الإعلامي بما ينسجم مع التطورات المتسارعة في مجال الإعلام المرئي». وتضيف جبور في حديث الى «الحياة» ان «هذا القرار يحفز الإعلاميين، ويحولهم من مجرد موظفين الى شركاء في صنع الخطاب الإعلامي، عبر إتاحة الفرص للمبادرات والاجتهادات الفردية التي تساهم في ايجاد مناخ إعلامي ناجح». ويقضي القرار، الذي أقر قبل أيام، بإحداث هيئة عامة للإذاعة والتلفزيون «ترتبط بوزير الإعلام وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، مقرها مدينة دمشق». وكان تدشين مبنى المركز الإخباري بدعم من مؤسسة دبي للإعلام، والذي سيدخل حيز العمل الفعلي مع مطلع السنة، حدثاً آخر مهماً على مستوى الإعلام السوري، إذ من المنتظر، كما ترى جبور، أن يتيح هذا المركز؛ المزود أحدث التقنيات في مجال الإعلام المرئي، «تحقيق قفزة نوعية في مجال صناعة الأخبار والسبق الصحافي والتعامل مع الأحداث والأخبار العاجلة بسرعة، وبحرفية عالية، فضلاً عن الاهتمام بالتبادل الإخباري». المشاهد السوري لا يعنيه كثيراً مثل هذه القرارات والوعود، فهو يحكم على تلفزيونه المحلي من خلال الشاشة فحسب، ولعل الحدث الذي قوبل بالترحاب من جانبه هو إطلاق فضائية «سورية دراما» التي يختزل اسمها طبيعتها، فهي قناة تهتم بالدراما السورية عبر عرض الأعمال، وبث برامج تتعلق بها. والواقع ان اهتمام التلفزيون السوري بالدراما المحلية راح يتكرس عاماً بعد عام، إذ اطلق التلفزيون «سباق المسلسلات»، ومنح الجوائز وكرّم الأعمال الدرامية وسط ترحيب صناع الدراما، ومحبيها، وهو «خطوة أولى، بحسب جبور، قد تمهد لتأسيس مهرجان درامي سنوي سوري يحتفي بالدراما السورية والعربية عموماً». وكانت مديرية الانتاج في التلفزيون السوري نظمت، بدورها، ملتقى للدراما، وصف بأنه «الأول من نوعه»، تناول قضايا الدراما السورية وظروف الانتاج ومسائل التسويق، والعقبات الرقابية وسواها من المحاور التي ناقشها مخرجون وكتاب سيناريو وممثلون ومنتجون... وإذا اعتبرنا ان الدراما أحد تجليات الثقافة، فالملاحظ ان ثمة «تقصيراً تلفزيونياً» في الاهتمام بتجليات الثقافة الأخرى كالأدب والمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى... هنا تردّ جبور بأن «هناك نية فعلية لتحويل القناة الأرضية الثانية الى قناة مخصصة بالرياضة والثقافة». ولا يكل مسؤولو الإعلام المرئي السوري من الحديث عن نية في التطوير، والارتقاء بالأداء الإعلامي. ولعل ما يتحقق من هذه الوعود هو تغيير ما صار يعرف ب «الهوية البصرية» للتلفزيون السوري بين حين وآخر، وما عدا ذلك يبقى كل شيء ثابتاً في مكانه باستثناء مناسبات قليلة يثبت فيها التلفزيون السوري جدارته وتفوقه. فهذا التغيير «البصري» الشكلي الذي صار «موديلاً» لا يترافق مع تغيير في بنية الإعلام ووظيفته، لا سيما ان ثمة قفزات نوعية طموحة حققتها الفضائيات المستقلة. ومع الإقرار بأن التلفزيون السوري هو تلفزيون موجه؛ خاضع لرقابة صارمة، فإن الثغرات والنواقص لا يمكن تبريرها ب «الاعتبارات الرسمية» فحسب، ذلك ان ثمة مساحات وهوامش واسعة يمكن التحرك عبرها وتقديم مادة إعلامية جذابة. لكن التسليم بحجة «الرسمي والموجه» يخلق كسلاً إعلامياً ينعكس على الشاشة، ويدفع المشاهد، ببساطة، الى البحث عن «خيارات فضائية أخرى» متاحة بسهولة. والمتابع للدراما السورية نفسها، سيلحظ نقطتين مهمتين ظهرتا خلال الموسم الفائت، فعلى مستوى الكم هبط عدد المسلسلات السورية الى النصف، أي انتج ما يقرب من 25 عملاً بعدما تجاوز عدد المسلسلات في بعض السنوات الأربعين مسلسلاً. وعزا المهتمون بأحوال الدراما هذا الهبوط الى الأزمة المالية العالمية التي جعلت شركات الانتاج السورية الخاصة حذرة في الإقدام بسخاء على مغامرة الإنتاج وسط حديث متواتر عن أزمة مالية قد تجعل من العمل الدرامي «بضاعة كاسدة»! أما على مستوى النوع، فإن هذه المحصلة الدرامية القليلة تميزت بجرأة تعد سابقة، إذ ناقشت ملفات شائكة، واقتحمت المسكوت عنه، وكسرت ضلعاً مهماً في «الثالوث العربي المحرم»، ونقصد «الجنس» الذي تصدى له عدد من الأعمال مثل «زمن العار»، و «سحابة صيف»، و «قاع المدينة»، و «شتاء ساخن» وغيرها... فضلاً عن تناول الحدث السياسي الشائك كما في «هدوء نسبي»، و «رجال الحسم»، و «سفر الحجارة». ويبدو ان تجربة الفضائيات الخاصة في سورية محكومة بالفشل. فعلى رغم الآمال التي علقت على قناة «المشرق» السورية الخاصة، وتركيز المحطة على استقاء مادتها الإعلامية من الحدث السوري، بالدرجة الأولى، والاعتماد على كوادر إعلامية سورية، غير ان المحطة التي بدأت مع مطلع عام 2009 لم تستطع أن تبلغ نهاية السنة. إذ أغلقت مكاتبها في دمشق، وأعفي الإعلاميون من العمل فيها في خطوة بدت غامضة، وغير مفهومة. وكانت لقناة «الشام» تجربة مماثلة. أما قناة «الدنيا» السورية الخاصة التي تبث من دمشق، فقد تعرضت، بدورها، الى سلسلة من الأزمات تمثلت في الانتقادات الحادة التي وجهت اليها من العاملين فيها، وأدت، في نهاية المطاف، الى استقالات جماعية كادت ان تطيح المحطة التي حاولت تعويض الخسارة، وهي، وإن نجحت في الاستمرار في البث وتجاوز الأزمة، لكنها لم تفلح في استقطاب المشاهد السوري على النحو المأمول.