«حنظلة» ليس فقط ذاك الطفل في رسوم الفلسطيني الراحل ناجي العلي، فهو اسمٌ لفرقة موسيقية مؤلفة من فنّانين إيطاليين وعرب. وإذا كان العلي اختار «حنظلة» في رسومه الكاريكاتورية في سبعينات القرن المنصرم، ليعبّر عن مرارة شعبه، ففرقة «Handala» الإيطالية انطلقت من الهمّ ذاته مستبدلةً الرسم بالموسيقى. لكن «حنظلة» ناجي العلي أدار ظهره للقارئ، بينما «حنظلة» دافيد پيتروزينو (David Petrosino)، عازف ومؤلف ومغني وقائد فرقة موسيقية. يقول دافيد في حديث إلى «الحياة»، أن الفرقة تأسست عام 1989 بمبادرة من منظمة C.I. Crocevia غير الحكومية للتضامن بين الشعوب، حيث طلبت منه العمل على إنتاج بعض الأغاني بالتعاون مع بعض الطلبة الفلسطينيين في روما، وأبرزهم حكيم جليلا. وعلى رغم ارتيابه، كونه عديم الخبرة في الموسيقى العربية، اندمج پيتروزينو سريعاً في المشروع لشعوره بنوع من الألفة مع الصوت العربي، وتناغمت ألحانه بشكل تلقائي معه. أنتجت الفرقة ألبومها الأول سريعاً وكان عنوانه «حنظلة» تيمّناً باسم الفرقة، لكن محتواه اقتصر على إعادة إنتاج بعض الأغاني الفلسطينية التقليدية. الخطوات الأولى ل«حنظلة» اقتصرت على إقامة حفلات موسيقية شعبية في ساحات روما، فحواها سياسيّ أكثر منه موسيقي انسجاماً مع هدف الفرقة الأساسي: الترويج للقضية الفلسطينية ومأساة هذا الشعب عبر الموسيقى. وعلى رغم الغرابة الموسيقية الجديدة على آذان المستمع الإيطالي، استطاعت «حنظلة» مخاطبته إسوة بالجمهور العربي المنتشر في إيطاليا. حتى أنّها ساهمت في إعطاء صورة مغايرة عن الفلسطينيين على المستوى الفني، مُبعدة عن ذهن الجمهور الإيطالي الأفكار المسبقة والنمطية عن هذا الشعب. أما الجديد الموسيقي الذي قدمته «حنظلة» كما يقول پيتروزينو فهو نوع من «تلويث موسيقي»، أي الجمع بين أنغام قد تبدو مختلفة ومتناقضة عن بُعد. إذ عملت الفرقة على ابتكار مساحة موسيقية حرّة تختبر خلالها الأنماط الموسيقية المختلفة بعدما دمجت الروك والجاز والموسيقى التقليدية والإلكترونية في بوتقة واحدة. وبما أنّ «حنظلة» تنظر إلى الموسيقى «ككيان موحّد»، وتؤمن بأنّ الشغف والإحساس والذكريات التي تُشعلها الموسيقى واحدة في كل الأنواع الموسيقية، استطاعت إشراك موسيقيين من فلسطين ولبنان ومصر وإيطاليا. تعاون جميع هؤلاء على اختبار التعبير الموسيقي الحر بغية نقل التجربة والشغف والتاريخ التي تحتوي عليها الأنماط الموسيقية إلى بلادهم البعيدة. أنتجت «حنظلة» خلال مسيرتها الممتدة نحو 25 سنة ستة «ألبومات» وقرص مدمج، هي: «حنظلة» (1991)، و«أماني» (1991)، و«راية» (1993)، و«حلم» (1997)، و«الديب» (قرص مدمج 2004) و«فمتى» (2005) و«7» (2007). نضجت تجربة «حنظلة» مع الوقت وانتقلت من إعادة توزيع الأغاني الشعبية الفلسطينية وبعض قصائد الكاتبة فدوى طوقان وبعض أغاني اللبناني مارسيل خليفة، إلى تأليف ووضع أغانٍ تمزج بين اللغتين العربية والإيطالية. فألبوم «فمتى» مثلاً يمثّل التحوّلات الموسيقية التي طرأت على أعمال الفرقة، إذ استبدلت الآلات الإيقاعية التقليدية بالدرامز، وبات العود يخاطب الغيتار الإلكتروني، وتداخلت الأصوات العربية والإيطالية في بعضها في توليفة واحدة، جعلت من «حنظلة» مثلاً غير مسبوق في «الثلويث الموسيقي» الرائع. لكن على رغم هذا التبدل الطارئ بقيت فلسطين الثابت الوحيد نصاً وروحاً، كما يقول پيتروزينو. ويشير الفنان الملتزم إلى أنّه راضٍ عن جمهوره الإيطالي، لا سيّما في تسعينات القرن العشرين، حيث حققت الفرقة نسبة مبيعات وعدد مستمعين جيد جداً. إلا أنّ بيتروزينو شكا من قلة اكتراث الجيل الجديد وردّ ذلك ليس فقط إلى تبدّل الأذواق والأنماط الموسيقية الحديثة في إيطاليا، بل إلى مساهمة الوسائل الإعلامية المتلفزة في نقل أصناف موسيقية محددة، مستبعدة أخرى من دائرتها. ينظر بتروزيني اليوم إلى تجربته بعين الرضى، إذ تمكّن من استحداث ألفة ما بين الموسيقى الغربية والعربية وساهم في التعريف عن القضية الفلسطينية وسرّ لرؤية الجمهور الإيطالي يرقص الدبكة وينحني على إيقاعات فرقته الموسيقية. بيد أنّ انتشار الفرقة كان أوروبيا أكثر منه إيطالياً، لا سيما في السنوات الأولى، حيث شاركت «حنظلة» في مهرجانات أوروبية مهمة عدّة مثل: GentFest في بلجيكا وFabrik في هامبورغ والWorldMusic Festalpe في سويسرا وفي مقر الأممالمتحدة في جنيف أيضاً. بينما اقتصرت المشاركات الأولى للفرقة في إيطاليا على المهرجانات الشعبية-التقليدية أو تلك ذات الطابع المحلي. شهدت «حنظلة» تراجعاً في نشاطها الموسيقي مع اضمحلال الاهتمام بالقضية الفلسطينية في أوروبا. وكان لها مشاركات متفرّقة في السنوات الأخيرة، إضافة إلى أن بعض أعضائها غادروا الفرقة وانتقلوا إلى مدن ودول أخرى، لكن المطرب الفلسطيني حكيم جليلا ما زال ركناً أساسياً في المجموعة، كما انضمّ فنّانون إيطاليون وأجانب جدد. خفت المحتوى العربي لجهة الأصوات والآلات المستخدمة، لكن بتروزيني يوعز المسألة إلى التبدّل الذي طرأ على الموسيقى العربية التي باتت بعيدة عن آلاتها ومضمونها التقليديين. ويقول پتروزيني لمحبي الموسيقى إنها توحّد الشعوب، وهي لغة مشتركة يفهمها الموسيقيون وأصحاب الشأن، لأن المشترك بينهم أقوى بكثير من مشترك الانتماء القومي أو الإثني. ويَعِد جمهوره بجديد الفرقة التي تعمل حالياً على ألبومها الجديد الذي يتوقّع صدوره السنة المقبلة، وسيتضمن مزيداً من «التلويث الموسيقي» الجامع بين الموسيقى والشعر والفن التصويري. ويرافق صدور الألبوم فيلم وثائقي يعرض تاريخ الفرقة ويتناول التاريخ الفلسطيني من وجهة نظر الإيطاليين والجالية العربية في إيطاليا.