منذ تشكيلها في تموز (يوليو) الماضي حظيت حكومة الدكتور حازم الببلاوي بكم هائل من الانتقادات، والجدل المصاحب لتحركاتها ليس فقط من المناوئين لها، بل من المقربين منها. فمن وصفها ب»الحكومة المرتعشة»، إلى انتقاد طريقة تعاطيها سياسياً مع جماعة الإخوان المسلمين، وصولاً إلى حد المطالبة بإقالتها، أو على الأقل إجراء تعديل وزاري. وبلغت ذروة المعارضة لخطوات الحكومة مع توجهها لتمرير حزمة من القوانين أثارت جدلاً واسعاً، بدأت بقانون تنظيم التظاهر، والذي من المتوقع أن يتم الإعلان عن استصداره خلال أيام، ثم قانون الإرهاب الذي أرجئ النقاش حوله، وأخيراً الإعلان عن بحث في استصدار قانون يحصن تصرفات كبار المسؤولين في الدولة التي تتم بحسن نية ومن دون قصد جنائي، وقد يهدد تمرير تلك الحزمة الائتلاف الحاكم. وكان مجلس الوزراء المصري كلّف الأربعاء الماضي وزراء: العدل والاستثمار والعدالة الانتقالية بإعداد مشروع قانون لحماية تصرفات كبار المسؤولين في الدولة التي تتم بحسن نية ومن دون قصد جنائي، الأمر الذي استغله مؤيدو الرئيس المعزول محمد مرسي في الترويج له على اعتبار أنه محاولة ل»تقنين فساد كبار المسؤولين»، وانحاز إلى تلك الرؤية حزب النور السلفي وقوى يسارية مصرية. ودافعت الحكومة عن مسعاها باعتباره وسيلة «لطمأنة متخذي القرار». ويشتكي رجال أعمال واقتصاديون من أن الوزراء باتوا غير قادرين على اتخاذ قرارات بعدما رأوا أسلافهم يقبعون في السجون. وبينما أثير جدل عما إذا كان القانون المزمع استصداره سينسحب على وزراء الرئيس السابق حسني مبارك والذين يحاكمون باتهامات تتعلق ب»الإضرار بالمال العام والفساد» من عدمه، أكد الببلاوي أن القانون «لن يتم تطبيقه بأثر رجعي». ورغم ذلك، لم تنه محاولات الحكومة للطمأنة الجدل الدائر حول مشروع القانون، إذ اعتبرت الجماعة الإسلامية التي تقف في خندق المدافعين عن «شرعية الرئيس المعزول»، أن إصدار ذلك القانون «يفتح الباب واسعاً أمام الفساد والسرقة تحت دعوى حسن النية». ورأت الجماعة أن تحصين جزء من المواطنين الموصوفين بكبار المسؤولين في حين لا يعطي ذات الميزة لصغار المسؤولين والمواطنين العاديين «يخالف أبسط القواعد الدستورية ويعصف بمبدأ المساواة والعدالة القانونية بصورة لم يسبق لها مثيل». وسار على المنحى نفسه حزب النور السلفي، إذ اعتبر رئيسه يونس مخيون أن إعداد مشروع قانون لحماية تصرفات كبار المسؤولين في الدولة «هو في الحقيقة قانون لحماية الفساد وتحصين المفسدين، ومعنى هذا القانون أن المسؤول الكبير إذا أصدر قرارات أو اتخذ إجراءات اتسمت بالفساد أو إهدار المال العام، كما كان يحدث في زمن مبارك، وسئل عن ذلك، أجاب: أنا نيتي سليمة ولا أقصد إلا الخير. طبعاً الخير له ولأولاده، فلا يعاقب ولا يحاكم». وتساءل مخيون «ما المعيار الذي نضبط به حسن النية من عدمه؟ نحن نريد قوانين تحمي الشعب من فساد المسؤولين وليس العكس». كما أعلنت قوى يسارية رفضها أيضاً للقانون، إذ قال رئيس حزب التحالف الشعبي عبدالغفار شكر إن القانون يُعد محاولة لتحصين القيادات الكبيرة من المحاكمة، بسبب عدم تنفيذهم أحكام القضاء النهائية واجبة النفاذ، مؤكداً ضرورة خضوع الجميع للقانون. وأشار شكر، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أيضاً، أن الموظف العام تجب محاسبته على الفعل، باعتبار أن القانون يتعامل مع الأعمال وليس النيات، وأوضح ل»الحياة» أنه لا يليق بحكومة انتقالية أن تسعى لإقرار مثل هذه القوانين خلال مدتها القصيرة، مطالباً بالانتظار إلى تشكيل برلمان جديد. أما رئيس وزراء مصر السابق الخبير الاقتصادي عبدالعزيز حجازي فيرى «ضرورة لاستصدار هذا القانون لكن مع وضع ضوابط، لمنع الانحرافات»، وقال ل»الحياة»: «لا حديث عن أي انحرافات جنائية. لكن إذا كنت تبحث عن استقرار وجذب الاستثمار عليك أن تدفع الايادي المرتعشة إلى اتخاذ القرار». من جانبه أعلن حزب مصر القوية رفضه القاطع من حيث المبدأ لكل مشاريع القوانين التي تصدر من النظام الحالي باعتباره غير منتخب، مؤكداً سعيه السياسي والقانوني لإلغاء كل ما يقر من قوانين خلال الفترة الحالية حتى يحصل المصريون على كل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وحرياتهم السياسية والمدنية كاملة غير منقوصة. وانتقد الحزب مد أمد الحبس الاحتياطي لما لا نهاية، وتحصن أشخاص في الحكومة من الملاحقات القانونية تحت ما يسمّى «حسن النية» وتجريم فضح ومتابعة رجال الأمن خصوصاً من ينتهكون الحرمات. واعتبر أن هذه القوانين تحجر على الحريات الشخصية والعامة وتهدد السلم الاجتماعي وتزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية وتبعاتها السيئة على أرزاق المصريين وأعمالهم ومصالحهم.