لخمسة قرون، أي منذ عهد آل تيودور، بنى حوض بورتسماوث في إنكلترا سفناً حربية ساعدت بريطانيا في شن غزوات بحرية وبناء إمبراطورية. وأول من أمس أُبلِغ عمال الحوض أن الموقع سيُغلَق. وأعلنت «بي آي سيستمز»، أكبر شركات بريطانيا في مجال بناء السفن العسكرية، خطة لإعادة هيكلة نشاطاتها تشمل إلغاء ألف و775 وظيفة. وسيعاني حوض بورتسماوث، الذي يستضيف قيادة القوات البحرية البريطانية، أكثر من غيره، إذ سيتوقف عن بناء السفن الحربية تماماً. وسيواجه حوضا غلاسكو ووروسايث في إسكتلندا تخفيضات أقل. ويبدو أن للقرار بعداً سياسياً، فبناء السفن الحربية سيتركز في إسكتلندا المقرر أن تصوت السنة المقبلة على بقائها من ضمن المملكة المتحدة أو استقلالها. وأثار القرار امتعاضاً في مدينة بورتسماوث التي استفادت مادياً لقرون من أعمال الحوض. وللقرار وطأة خاصة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف ببريطانيا وتجعل من الصعب على ممتهني أعمال محددة العثور على وظائف بديلة. وقال جيرارد فيرنون جاكسون، المسؤول في بلدية المدينة: «نحن جزيرة - أمة تعتمد على التجارة البحرية للحصول على الطعام والوقود. إن لم تعد لدينا قوات بحرية تضمن بقاء الخطوط التجارية البحرية مفتوحة، سينهار اقتصاد البلاد». ورأى وزير الدفاع فيليب هاموند، الذي أبلغ القرار إلى البرلمان، أن لا مناص من الاعتراف بتغير الأزمنة. ووصف قطاع بناء السفن بأنه يعتمد على سوق تتزايد التنافسية فيها، خصوصاً الجزء المخصص للسفن الحربية، علماً بأن التدابير التقشفية للحكومة البريطانية تستهدف القطاع العسكري في شكل خاص. وأضاف: «إن من قبيل الوهم أن نعتقد بأن بناة السفن البريطانيين سيشهدون نهضة». ويعكس قرار إغلاق بورتسماوث تراجع الرابط التاريخي بين بريطانيا والبحر. فالسفن العملاقة الحاملة للحاويات التي تقصد مرافئ محددة حول العالم هي التي تسود التجارة البحرية الدولية. ورأى روبرت بلايث، القيم البارز في المتحف البحري الوطني في غرينيتش، أن البريطانيين يعانون «عمى البحر». وقال: «نحن أمة مدينية بامتياز، والمرافئ الكبرى ابتعدت عن المدن الرئيسة. وبات الجزء الأساس من البضائع المنقولة بحراً يمر من دون أن نراه». وعلى خلاف إلغاء الوظائف في المصانع ومراكز خدمة الزبائن وقطاعات أخرى رئيسية، بدأ الحديث عن خفض الوظائف في أحواض بناء السفن قبل جيل، وفق غاي أندرسون، محلل الصناعة العسكرية في مؤسسة «جاينز» للبحوث. وقال إن مشاكل أحواض بناء السفن نبعت من فشلها في التعامل مع الطبيعة المتقلبة للسوق، فطلبيات السفن الحربية تتطلب عملاً كثيراً، لكن الطلبيات لا تصل باستمرار. ووصف أندرسون القطاع بقطاع «التخمة المتبوعة بالمجاعة»، وقال: «كان التحدي الأول دائماً إبقاء عمال أحواض بناء السفن يعملون والحفاظ على مهاراتهم عبر صقلها المستمر خلال الفترات التي تقل فيها الطلبيات أو تنخفض معدلات الإنتاج». لكن «بي آي سيستمز» لن تتخلى عن بورتسماوث تماماً، فالعمليات المتعلقة بالصيانة وأنظمة الرادار البحري ستستمر. ويتحسر كثيرون على فقدان حوض لبناء السفن يعود إلى عهد الملك هنري السابع، الذي دفع ابنه، الملك هنري الثامن، ثمن بناء «ماري روز»، السفينة الشهيرة لآل تيودور. وبنى الحوض «إتش إم إس دريدنوت»، وهي سفينة حربية شاركت في الحرب العالمية الأولى واشتهرت بمدافعها العملاقة. ودفعت المدينة ثمن احتضانها الحوض، فهي تعرضت لقصف مدمر خلال الحرب العالمية الثانية. يقول بلايث: «ارتبط اسم بورتسماوث بالقوات البحرية إلى درجة أنها اليوم تواجه انقطاعاً عن تاريخ طويل جداً». وبورتسماوث أو بومبي كما يحلو لأهلها تسميتها يقطنها حوالى 195 ألف شخص. عُرفت تاريخياً بأنها قاعدة بحرية عسكرية للقوات البريطانية وذلك لموقعها الإستراتيجي القريب من فرنسا، وشهدت كذلك الحربين العالميتين وخسرت كثيراً من سكانها الذين كانوا يعملون في البحرية في معظمهم. أما الآن فتعتبر بروتسماوث منطقة سكنية ودراسية هادئة إذ توجد فيها جامعة بورتسماوث وكليات.