كان لتعدد المحاكم مزايا كثيرة تتعلق بالتخصص وسرعة البت، وقابلها بعض السلبيات، وعلى رأسها تكاثر تنازع الاختصاص السلبي والإيجابي، وأضحى فحص الاختصاص من أول وأدق ما يجب على المحامي والقاضي فحصه وتأمله، ومن أكثرها تأثيراً في وقوع الحكم صحيحاً على وجه لا اعتراض عليه. إن أهمية البحث في تنازع الاختصاص تظهر في ما ينشأ عن هذا التنازع من آثار تعود على حفظ حقوق الناس والفصل فيها. كما أن هذا البحث في حقيقته راجعٌ إلى التحقق من دخول القضية المنظورة تحت ولاية القاضي من عدمها، والتي هي أساس صحة نظره لما يعرض عليه، وبالتالي يتمكن ناظر القضية بمقتضى ولايته من الفصل في الخصومات بأنواعها. كما أنه من الأهمية بمكان حيث يعود البحث في ذلك التنازع على أحد الحُكمين الصادرين في قضية واحدة بالأبطال لأحدهما، أو يعود لمنع إحدى المحكمتين من النظر في القضية عند التنازع أو إلزام إحداهما بنظرها عند التدافع. ولا شك في أن النظر في مآل هذه المسألة يكشف بجلاء أهمية الاعتناء بها وبحثها، سواءً من القاضي ناظر القضية، لأن الأمر يتعلق بولايته، أم من صاحب الحق، أم محاميه لمعرفة المحكمة المختصة بالفصل في دعواه، أم من الجهات التي تتولى فض النزاع في ما ينشأ من تنازع أو تدافع في الاختصاص، أم من المنظم الذي يسن الأنظمة ويتولى تعديلها. كما أن النظر في الاختصاص من عدمه هو من أول واجبات القاضي عند نظره القضية المعروضة عليه، ومن الواجب عليه الفصل في ما يتعلق بالاختصاص والتصدي له ولو من غير طالب الخصوم، على اعتبار أنها من النظام العام - في ما عدا الاختصاص المكاني - إذ هي راجعة لمدى ولايته وصحة نظره للقضية. * محام ومستشار قانوني [email protected] a.sgaih@