وأنا في انتظار المصعد متجهة إلى مكتبي، سمعت شاباً يقول: «سأجهز سيارتي و(أدوس) أي واحدة منهن في ذلك اليوم»، كان يقصد من سيقدن السيارة من النساء في 26 تشرين الأول(أكتوبر). وربما هو لا يعني ما قاله حرفياً، أو قاله من باب «المرجلة» واستعراض القوة، إلا أن ما قاله يوضح نهج التفكير الذي يتبناه البعض، وطريقته الخاصة في فرض رأيه على الآخرين ولو كان باستخدام العنف كوسيلة. تخويف وتهديد للنساء «عيني عينك»، والمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي حتماً قرأ مطالبة أحدهم بقطع رقبة كل من تقود السيارة، وآخر طالب بجلدها إن قادت أو طالبت بذلك، وغيره شدد على إقامة الحد، وهناك من رأى التبليغ عن أي امرأة تقود السيارة، ناهيك عن السب والشتم والقذف لكل من قادت أو طالبت. قد يكون التحريض ومحاولة فرض الرأي بالعنف كوسيلة جاء من حسابات مزيفة أو غير مؤثرة كما جاء في تقرير نشرته «الحياة» مطلع الأسبوع بعنوان (حسابات خفية تستغل ساحة «تويتر» للتحريض على القتل)، ولكنه لا يمنع أن البعض يدعو إلى العنف والتحرش بمختلف أنواعهما، ابتداء من اللفظي والمعنوي وصولاً إلى الجسدي، لفرض آرائه بالقوة خصوصاً في ما يتعلق بقضايا المرأة، وبالتأكيد من أمن العقوبة أساء الأدب! التحريم القطعي للقيادة لم يعد مقنعاً خصوصاً مع بروز أصوات دينية معتدلة تنفي ذلك التحريم، وقصة التغريب لم تعد مقبولة للكثيرات وعائلاتهن التي لمست حاجة نسائها للحركة وأقرت بحقهن البديهي في ذلك، أما المحافظة على المرأة وحمايتها من الذئاب البشرية التي ستفترسها أصبحت حجة «فاضية»، وكذبة مكشوفة. فمن يمانعون قيادة المرأة السيارة بحجة خوفهم عليها من التحرش والإيذاء، كثير منهم يقومون بسبها وقذفها ووصفها بأبشع الألفاظ وتهديدها إن اقتضى الأمر، ويعترضون على وجود قانون يجرم التحرش بها. وهم من يقبلون خلوتها بسائق أجنبي وما قد تجره من مشكلات ومنها التحرش. فإذا كانت القيادة فساداً وهلاكاً للمجتمع، ماذا عن التحرش بالمرأة في الأماكن العامة؟ وماذا عن تهديدها بالضرب والقتل وسبها وقذفها؟ وأي منها أكثر تهديداً للسلم الاجتماعي؟ وبحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، ركزت الكثير من خطب الجمعة الماضية على مناهضة قضية قيادة المرأة للسيارة باعتبارها الحدث الأهم في الأسبوع، رغم تزامنها مع قصة تحرش 15 شاباً بخمس فتيات في أحد المجمعات التجارية في مدينة الخبر. لماذا لم تعتبر هذه القصة فرصة لتجريم التحرش وتحريمه والتوعية ضده، بدلاً من تحريض المجتمع على النساء المطالبات بحقهن في الحركة؟ ماذا عن التهديد بالقتل والقذف والشتم في وسائل التواصل الاجتماعي، ألا يهدد السلم الاجتماعي؟ استمرار التحرش أو ترهيب المرأة به، وتسويق فكرة الفريسة الهشة التي تطاردها الذئاب البشرية، إضافة إلى تهديدها بالعنف ومن ضمنه التحرش يسهم في تخويف المرأة من المشاركة في الحياة العامة أو الاعتماد على نفسها في تخليص متطلباتها. فلو وجد قانون يجرم التحرش وطبق بكل صرامة، ولو عوقب المتطاولون والمحرضون، ستفشل هذه الفئات في استخدامهما كفزاعة. فمن يهدد ويقذف ويصادر الحقوق، لا يمكن أن يحقق الحماية أو يقصد الخوف على المصلحة، وفي ملف قيادة المرأة للسيارة تهديد لمصلحة الممانع الذي يعتبره أحد مكاسبه ولا يمكن أن يتنازل عنه لأنه وسيلة لاستمرار سيطرته على المرأة. فهذا الفكر المتشدد لديه شعور دائم بالتهديد من خسارة سلطته على المرأة، لذا مانع تعليم البنات، وعمل المرأة، وما زال يعارض أي ملف يمكن أن يسحب منه هذه السلطة، وإلا لماذا لا يطالب أصحابه بتجريم التحرش ويعارضون أي مطالبات بإقرار قانون يجرمه؟ ألن يكون النظام الواضح كفيلاً بحماية المرأة من أي اعتداءات؟ فلو كان المجتمع غير جاهز اليوم، فهل كان جاهزاً لتعليم البنات، ولتأنيث المحال، ولدخول المرأة إلى مجلس الشورى والبلديات؟ فإذا تقبل هذه القرارات وتعايش معها، فهو حتماً جاهز لحسم ملف قيادة المرأة للسيارة الذي بات محرجاً وملحاً. يقول والد إحدى الفتيات التي ظهرت على «يوتيوب» وهي تقود سيارتها: «هذه ابنتي تسوق، وإن شاء الله بعد 10 سنوات سنضحك على هذه الصورة»، نتمنى! [email protected] @DALIAGAZZAZ