خطر واحد يهدّد طلاب المدارس كما الجامعات، والفقير كما الغني في لبنان، وهو تعاطي المخدّرات. تلك الآفة باتت تتسرّب إلى مختلف الفئات العمرية بطرق مختلفة لتقلب حياة الأطفال والمراهقين والشباب الأكبر سنّاً رأساً على عقب وتحوّلهم مدمنين لا يعيشون حياتهم إلا لانتظار المرّة التالية التي سيتعاطون خلالها شتى أنواع المخدّرات. وتحاول جمعيات أهلية عدة أن تتصدّى لهذه الظاهرة عبر ندوات ومحاضرات، لكن الفكرة الأكثر ابتكاراً هي التي طوّرتها مؤسسة مينتور العربية مع مراكز فبريانو الفنّية ونادي روتاري بيروت سيدرز، وتعتمد على انخراط الطلاب أنفسهم في العمل التوعوي على أخطار المخدّرات. فقد شاركت مؤسسة مينتور لوقاية الأطفال والشباب من المخدّرات، أولاً في مسابقة الرسم السنوية التي تنظّمها مراكز فبريانو في مدارس لبنانية عدة، حيث أدرج موضوع «مساوئ المخدّرات» ضمن لائحة المواضيع الخمسة للمسابقة. كما نظمت مينتور حلقات توعية للطلاب عن أهمية الوقاية من المخدّرات والسلوكات الخطرة للأطفال والشباب. أمّا النتيجة لمثل هذا العمل فكانت تقديم 23 ألف رسمة حول موضوع المخدّرات من الطلاب، تمّ عرض 150 لوحة منها في قصر الأونيسكو، ضمن معرض فنّي رعته وزارة التربية والتعليم العالي. مأساة الإدمان عبّر الطلاب المشاركون في المعرض عن مستوى عال جداً من الفهم والوعي للتأثيرات السلبية للمخدّرات في حياتهم، وحاول كلٌّ منهم ربط هذه الآفة بصورة يتخيّلها بنفسه. فالطالبة ريناد ديكماك رأت أنّ حاملي آفات التدخين والمخدّرات والكحول إلى المجتمع هم أشباح الموت وليس أحداً آخر. فيما تخيّل الطالب أسامة تيبا إبرة المخدّر بأنّها قاتل يحاول خنق الطفل أو المراهق. أمّا الطالبة جويل دياب فشدّدت على مدى تحكّم المخدّرات بحياة المدمن الذي يصبح أشبه بلعبة يمكن تحريكها في كلّ اتجاه من دون أي إرادة. وكلّ رسمة عرضت تكشف الكثير من المآسي التي يتعرّض لها الشباب اليوم جرّاء إدمانهم الذي يقودهم في أغلب الأوقات إلى الموت في حال لم يتلقّوا العلاج المناسب. وتجد المديرة التنفيذية لمؤسسة مينتور العربية لبنى عزّ الدين في هذا السياق أنّ هناك مشاكل وتحدّيات تخلق بيئة تدفع الشباب إلى الإدمان لاعتقادهم بأنّه الحلّ. وحين تُعرَض عليهم التجربة للمرّة الأولى يقعون في الفخّ ويعجزون عن قول كلمة واحدة أساسية ومحورية هي: كلا. وترى عزّ الدين في الرسوم التي قدّمها الطلاب أنّها تعكس 23 ألف فكرة لمواجهة آفة المخدّرات. ويلفت صاحب مؤسسة فابريانو إلى أنّ ميزة المعرض تكمن في الأعمار الصغيرة للمشتركين الذين استطاعوا في الوقت ذاته أن يعبّروا عن مستوى عالٍ من الفهم لقضية المخدّرات ومدى تهديدها الشباب. التوعية المبكرة أثبت هذا المعرض أهمية التوعية المبكرة للأطفال والمراهقين كي يكونوا جاهزين لرفض تعاطي المخدّرات مهما كانت المغريات. وتشدّد رئيسة نادي روتاري بيروت منى جحا كنعان على هذه الفكرة لأنّ النادي أجرى دراسات حول أفضل السبل للحدّ من آفة المخدّرات وجمع معلومات من اختصاصيين خبراء، ليتوصّل أخيراً إلى تثبيت مقولة «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، بما يعني توعية الأطفال في صفوف الابتدائي والمتوسط وصولاً إلى الثانوي. وبالتالي، فإنّ التوعية لا تبقى مرتبطة بفئة المراهقين، إنما تبدأ بسنّ الثمانية، نظراً إلى ما يتعرّض له الأطفال اليوم حتّى داخل مدارسهم. وتؤكد كنعان أنّه كلّما زادت المعرفة كان الخطر أقلّ، وهذا ما دفع النادي إلى التعاون مع مؤسسة مينتور العربية ذات الخبرة الواسعة في مجال مكافحة المخدّرات ومع مؤسسة فابريانو التي اعتادت أن تنظّم سنوياً مسابقة للرسم بين طلاب المدارس. وقد أتت النتيجة إيجابية «فقد استطعنا إظهار فكرة أن المخدّرات لا يمكن أبداً أن تؤدي إلى السعادة، إنما إلى الألم والموت فقط» كما تقول الفائزة في مسابقة الرسم دارين سمعان. وهي تضيف: «أريد أن يتذكّر كلّ طفل أو شاب أنّ لدينا دائماً الخيار لاتّخاذ قرارات صحيحة».