كان الشاب أسرار سمرين من بلدة البيرة قرب رام الله طالباً في التاسعة عشرة من عمره في جامعة بيرزيت عندما اعتقل عام 1991. واليوم، تطلق إسرائيل سراحه وقد تضاعف عمره (41 عاماً) وتغيّر واقعه تماماً، فوالدته توفيت، وهاجر شقيقاه وشقيقته إلى أميركا، وتحولت بلدته الصغيرة إلى مدينة كبيرة. الشيء الأول الذي سيفعله أسرار فور وصوله إلى مدينة البيرة هو زيارة قبر والدته التي توفيت قبل أربع سنوات، وأمضت السنوات الأخيرة من عمرها وهي تلاحقه من سجن الى آخر لزيارته. وكان أسرار اعتقل بتهمة إطلاق النار على دورية للجيش وقتل جندي إسرائيلي، وحكم عليه بالسجن 99 عاماً. وقال والده مصطفى (70 عاماً): «عاد لنا من الموت، السجن 99 عاماً يعني الموت داخل السجن، وعودته هي إنقاذ له ولرفاقه». وكان مقرراً أن تفرج إسرائيل بعد منتصف ليل الثلثاء - الأربعاء عن الدفعة الثانية من أسرى ما قبل أوسلو البالغ عددهم 26 أسيراً. وستفرج قبل نهاية العام عن دفعة ثالثة، وفي آذار (مارس) العام المقبل عن دفعة رابعة وأخيرة. ويأتي الإفراج عن أسرى ما قبل اوسلو، وعددهم 104 أسرى، بموجب اتفاق توصل إليه الراعي الأميركي مع الجانب الإسرائيلي في مقابل امتناع الجانب الفلسطيني أثناء المفاوضات عن اللجوء إلى الأممالمتحدة للحصول على عضوية المنظمات والوكالات الدولية. ومع إطلاقهم، سيجد الأسرى المحررون عائلاتهم تغيرت بالكامل: الكبار ماتوا، والصغار كبروا وباتوا أرباب عائلات، والبلدات الصغيرة تحولت الى مدن كبيرة. فزوجة عفو شقير من بلدة الزاوية قرب سلفيت شمال الضفة الغربية كانت في التاسعة والعشرين من عمرها عندما اعتقل زوجها عام 1986. وكان أطفالهما الأربعة صغاراً لم يتجاوز أكبرهم السابعة فيما بلغ أصغرهم أشهراً عدة. واليوم يعود عفو ليجد بنت السنوات السبع غدت في الرابعة والثلاثين، والرضيع ابن الشهور قد بلغ السابعة والعشرين. وقالت زوجته التي بلغت السادسة والخمسين: «عشنا سنين طويلة من العذاب والتعب في غياب عفو، حملت العبء وحدي إلى أن كبر الأطفال وأصبحوا رجالاً، وكبرت الصغيرات وأصبحن نساء». وأمضى أهالي الأسرى المحررين اليومين الأخيرين تتجاذبهم مشاعر الانتظار والقلق من تراجع السلطات الإسرائيلية عن قرارها، خصوصاً بعد تظاهر آلاف الإسرائيليين احتجاجاً على إطلاق هؤلاء الأسرى. وقالت والدة الأسير عيسى عبد ربه المحكوم بالسجن المؤبد، والذي أمضى 26 عاماً في الأسر، أنها أمضت اليومين الأخيرين وهي تحدق في الساعة. وأضافت العجوز الثمانينية التي أمضت أكثر من ربع قرن وهي تنتظر عودة ابنها من وراء قضبان السجن: «شعرت أن الساعة توقفت عن العمل».