كان الأسير مصطفى الحاج يمضي حكماً بالسجن المؤبد، ما يعني انه سينهي حياته خلف القضبان. لكنه وجد نفسه أمس يتنفس هواء الحرية في قريته بروقين قرب نابلس شمال الضفة الغربية التي اعتقل فيها قبل 25 عاماً. «هذه هي الحرية التي عشت ربع قرن في السجون وأنا أحلم بها»، قال مصطفى ل «الحياة» وهو يستقبل الآلاف من أبناء القرية والقرى المجاورة، لتهنئته بتحرره من الأسر. واعتقل مصطفى وهو في العشرين من عمره، وأطلق امس وهو في الخامسة والاربعين. واضاف: «الإحساس بالحرية هو أجمل وأقوى إحساس يمكن للإنسان أن يشعر به، وهو الهدف الأسمى للافراد والشعوب، ونحن حصلنا على الحرية الفردية، وهي حرية ضيقة لن تكتمل الا اذا حصلنا كشعب على حريتنا». ومصطفى واحد من 26 أسيراً تحرروا في ساعات الفجر الاولى أمس من السجون بعد أن أمضوا أكثر من عقدين فيها. وهذه هي المجموعة الاولى من 104 أسرى اعتقلوا قبل اتفاق اوسلوا عام 1993، وأمضوا بين 20-32 عاماً في السجون الاسرائيلية، وجرى الاتفاق على اطلاقهم على أربع دفعات خلال ثمانية أشهر كبادرة لاعادة اطلاق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية برعاية أميركية. واحتشدت جموع غفيرة من المواطنين طوال الليل لاستقبال الأسرى المحررين على مداخل الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مقر الرئاسة في رام الله. واختلطت المشاعر بين الدموع والزغاريد في استقبال الاأسرى الذين حملوا على الاكتاف وسط ترديد الهتافات الوطنية. عباس واستقبل الرئيس محمود عباس الأسرى المحررين الى الضفة وعددهم 11 أسيراَ، قبل أن يتوجهوا الى ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات حيث وضعوا إكليلاً من الزهور، وقرأوا الفاتحة على روحه. وألقى الرئيس عباس كلمة في الأسرى المحررين والجماهير المحتشدة للقائهم تعهد فيها العمل على اطلاق جميع الاسرى. وقال في كلمته: «نهنئ أنفسنا وأهلنا وإخوتنا الذين خرجوا من أقبية السجون إلى شمس الحرية، ونقول لهم ولكم: إن البقية ستأتي، هؤلاء هم المقدمة وهناك إخوة آخرون سيعودون إليكم وسترونهم». وأضاف: «أبعث بالتحية والتهاني لكل أهلنا وأهل الأسرى وأسرى الحرية جميعاً في السجون، ونقول لهم لن يهدأ لنا بال إلا بأن يكونوا جميعاً بيننا إن شاء الله». وشكّل اطلاق هذه الدفعة من الأسرى الذين طالما رفضت اسرائيل اطلاقهم بحجة أن «ايديهم ملطخة بالدماء»، أملاً لمئات الأسرى الآخرين بالتحرر من الأسر. وقال الأسير المحرر طاهر زيود من مدينة جنين: «لم نصدق أنفسنا، فحتى اللحظة الاخيرة كان يعترينا القلق بحدوث تغيير ما يؤدي الى اعادتنا الى السجن». وأضاف: «لكن اليوم، وبعد أن رأينا الحرية، فإننا أحيينا الأمل في نفوس اخوتنا في السجون بالتحرر يوماً ما نأمل في ان يكون قريباً». تعهة خطي وأجبرت السلطات الاسرائيلية جميع الأسرى المحررين على التوقيع على تعهد بعدم ارتكاب «مخالفات أمنية». ويتضمن التعهد أيضاً إعادة الأسير المحرر الى السجن لإمضاء فترة حكمه السابقة في حال ارتكابه «مخالفة أمنية». وشكا الأسرى من احتجازهم لساعات في سيارات اثناء نقلهم من سجن داخل اسرائيل الى سجن آخر قرب رام الله. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن الأسير طاهر زيود المفرج عنه بعد قضاء 20 عاماً في السجن قوله: «التفتيش اليوم كان مذلاً ... تفتيش عاري ... مورس علينا العقاب حتى آخر لحظة. كنا جالسين عند معتقل عوفر (قرب رام الله ) ثلاث ساعات ونحن ننتظر». واضاف للصحافيين: «أنا أشعر بنشوة النصر والفرح بعد ان منّ الله علينا بالحرية التي لا تقدر بثمن». ووصف أوضاع الأسرى في السجون الاسرائيلية بأنها «صعبة جداً ... ألم ومعاناة 30 أسيراً في ما يسمّى مستشفى الرملة عدد منهم مصابون بأمراض سرطانية هم بحاجة الى الخروج من السجن». وأشاد الأسير المحرر محمد عبدالمجيد صوالحة الذي قضى 23 عاماً في السجن بالتضامن الشعبي مع الأسرى، وقال: «لولا وقوف الاهل معنا لما استطعنا الصمود». وبدت والدته التي نال منها الزمن، سعيدة جداً بالافراج عنه، وقالت فيما كانت تجلس الى جانبه في السيارة: «كنت خائفة ان لا يخرج من السجن، لكن الامل بالله كان كبيراً»، مضيفة انها تريد ان تبحث له عن عروس.