مع انتصاف الفصل الدراسي الأول يبدأ الإرتباك في سير حياة معظم الأسر الأردنية، التي يتابع أبناؤها الدراسة في صفوف الثانوية العامة «التوجيهي». فمن أين سيتدبّر رب الأسرة كلفة الدروس الخصوصية لمواجهة الإمتحانات التي باتت على الأبواب؟ شعور ينتاب معظم أولياء الأمور، لا سيما حين يلمس المستوى المتدني لابنه أو ابنته في مواد مهمة مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الإنكليزية، والتي يعترف غالبية الطلاب دائماً بضعفهم فيها بسبب جهود ضيئلة يبذلها المعلمون في هذه الاختصاصات لإفهام التلامذة مضمون هذه المواد، خصوصاً أن المعلمين في المدارس الحكومية يعتبرون أن حقوقهم في رواتب مجزية مهضومة. لكن المفاجأة تكمن دائماً في أن هؤلاء المعلمين يبرعون في إعطاء الدروس الخصوصية بكفاءة واقتدار. مفارقة عجيبة تستهدف شعور المعلمين بالحصول على حقهم على حساب جيوب الأهل، الذين يجدون أنفسهم في النهاية يدفعون أقساط المدارس الخاصة، التي طالما هربوا من الإكتواء بلهيب أقساطها. شعور بالإرتباك سيّطر على ميساء طالبة الصف الأول ثانوي في إحدى مدارس عمّان الحكومية، عشية امتحان الرياضيات، فلم يجد الوالد بعد أن شاهد ابنته تندب حظها حلاً إلا أن يستقدم لها مدرّساً خصوصياً أفهمها في خلال ساعة واحدة ما عجزت معلمتها عن إفهامه لها ولزميلاتها خلال شهرين! وتضيف ميساء أنه نظراً الى صعوبة المادة وعدم قدرة الطالبات على استيعاب ما شرحته المعلمة، طلبت وزميلاتها منها إرجاء موعد الإمتحان أياماً ليتدبرّن أمرهن سواء بمزيد من المذاكرة أو باللجوء الى مدرسين خصوصيين، فوافقت المعلمة على ذلك نزولاً عند إلحاحهن. وحلاً ل «هذه الأزمة»، أضطر أهالٍ للإستدانة كي يوفروا مدرسين خصوصيين، علماً أن أجر المدرّس يبلغ 25 دولاراً للساعة الواحدة. وتضيف ميساء أن غالبية زميلاتها اللواتي تلقيّن دروساً خصوصية، حصلن على علامات ممتازة. أما من لم يسعفهن وضع أسرهن المالي وأمضين أوقاتاً طويلة وعصيبة في مذاكرة عقيمة، فقد رسبن، أو حصلن على علامات متدنية. وتعتبر ميساء نموذجاً لحوالى 820 ألف طالبة وطالب من أصل 1.550 مليون في المدارس الحكومية، يلجأون إلى الدروس الخصوصية بدرجات متفاوتة. كما أظهرت دراسة أعدتها وزارة التربية أن 53.5 في المئة من الطلبة في مراحل التعليم ما قبل الجامعي يعتمدون على الدروس الخصوصية. كما كشفت الدراسة ذاتها أن 46.8 في المئة من الطلبة ينفقون على الدروس الخصوصية من 70 إلى 150 ديناراً شهرياً في المتوسط، في مقابل 39 في المئة ينفقون أقل من 70 ديناراً شهرياً. وتبيّن الدراسة أن 9 في المئة من الطلاب الذين يلجأون إلى الدروس الخصوصية ينفقون من 150 إلى 200 دولار شهرياً، و8 في المئة ينفقون من 200 إلى 250 دولاراً. وتظهر الدراسة أن أعلى نسبة للدروس الخصوصية تعطى لطلاب الصف الثاني ثانوي (الثانوية العامة)، وبلغت 53.6 في المئة، في مقابل 12.4 في المئة للصف الأول ثانوي، ودون ال4.3 في المئة للصفوف الإعدادية (الأول والثاني والثالث والرابع). ويتلقى 33.3 في المئة من الطلاب دروساً خصوصية في مادة الرياضيات، و19.9 في المئة في اللغة الإنكليزية، و13.7 في المئة في العلوم (الفيزياء والكيمياء والأحياء)، و11.3 في المئة في اللغة العربية. ويقبل طلاب الفرع العلمي في الصف الثاني ثانوي أكثر على الدروس الخصوصية (84 في المئة)، ثم الفرع الادبي (78 في المئة)، في مقابل 38 في المئة للفروع الأخرى. وفي الصف الأول ثانوي، ترتفع نسبة طالبي الدروس الخصوصية إلى 18 في المئة للفرع الأدبي، وتبلغ 10 في المئة للفروع الأخرى، و7 في المئة للفرع العلمي. وتفيد أرقام نقابة أصحاب المراكز التي توفّر دروساً «تقوية» في المناهج التعليمية، أن عددها يبلغ نحو 500 مركز يقع أكثر من نصفها في عمّان، وتضم أكثر من 80 ألف طالبة وطالب. ويشير صاحب مركز ثقافي يعطي الدروس الخصوصية إلى استقباله حوالى 3 آلاف طالبة وطالب في كل فصل، سعياً إلى تحسين مستواهم. ويبرر المعلّم محمد عبدالله الدروس الخصوصية بأنها تقدّم حلاً لمشكلة الإكتظاظ في صفوف المدرسة، وتعطيه فسحة كي يتوسّع في الشرح، لافتاً إلى أن أهم ما يدفعه وزملاءه إلى إعطاء دروس خصوصية، هو عدم وجود حوافز مادية للمعلمين.