دفع التدهور الأمني الذي شهدته مدينة طرابلس، في شمال لبنان، منذ مساء الإثنين الماضي والذي خلّف خمسة قتلى وعشرات الجرحى في الاشتباكات بين مسلحي منطقة جبل محسن ذات الأكثرية العلوية وباب التبانة والمحاور الأخرى ذات الأكثرية السنية، كبار المسؤولين اللبنانيين الى استعجال القوى الأمنية والجيش اتخاذ التدابير العسكرية اللازمة لوقف موجات التصعيد التي تشهدها المدينة، والتي دفعت فعالياتها الى الاستغاثة لإنقاذها من أتون الحروب المتتالية وصولاً الى إعلان جمعية التجار فيها نية إقفالها وتسليم مفاتيحها الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، خصوصاً أن الحياة تعطلت في المدينة. وفيما تواصلت الاشتباكات ليل أول من أمس واستمرت حتى الصباح، فقتل أمس مواطنان وجرح 15 آخرون بينهم جنود من الجيش اللبناني، ترأس سليمان، وفي حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية مروان شربل، اجتماعاً أمنياً بعد مطالبات بتطبيق جدي لخطة أمنية للمدينة. وانعكس تفاقم الأوضاع غضباً أبداه الرئيس اللبناني خلال هذا الاجتماع نتيجة عدم فعالية التدابير لوضع حد للتفجير الأمني فيها. وأكد سليمان خلال الاجتماع أن الوضع الراهن في طرابلس «لم يعد مقبولاً وأن الطرابلسيين على حق في مطالبتهم الدولة بحسم أمرها لأن صبرهم نفد وهذه مسؤوليتنا ومن غير الجائز أن تبقى المدينة مستباحة تحت رحمة الفلتان الأمني وفوضى السلاح». وأضاف، كما نقلت عنه مصادر وزارية، أن «الجميع يلومنا ويطلب منا اتخاذ تدابير رادعة. لا الأهالي ولا نحن نتحمل الفلتان واستمرار القتال على المحاور وتبادل القصف العشوائي الذي يؤدي الى سقوط ضحايا. وهذا يستدعي منا أن نحزم أمرنا وأن نتشدد في مواجهة المخلين بالأمن في أي منطقة يتواجدون». ولفت الى أن «الغطاء السياسي متوافر ولا أظن أن هناك من يجرؤ على تغطية المخلين بالأمن وحَمَلَة السلاح. والأوامر معطاة للقوى العسكرية والأمنية لإعادة الهدوء الى طرابلس. هذا واجب الدولة حيال مواطنيها ولا خيار أمامنا سوى فرض هيبة الدولة لحماية الاستقرار في منطقة تشهد إخلالاً بالأمن». وخلص الى التشديد على ان قيادة الجيش تقدر الوضع الميداني على الأرض وتتصرف على هذا الأساس ولا مجال للتهاون. وعلمت «الحياة» أن قائد الجيش العماد جان قهوجي تعهد وضع خطة لضبط الأمن، وأنه سيجمع هيئة الأركان لهذا الغرض لإعداد تصور ميداني يفترض أن يكون نهائياً وحاسماً لإعادة الاستقرار الى بعض الأحياء في طرابلس وأن نتائجه ستظهر قريباً على الأرض بشكل ملموس يعيد الى هذه المدينة أمنها ويضع حداً للفلتان. وأبلغ ميقاتي مفتي المدينة مالك الشعار والنائب محمد كبارة أن الخطة الأمنية ستنفذ بحزم لإنهاء الوضع الشاذ في المدينة. وقال ميقاتي إن «الأجهزة الأمنية تقوم بإنجازات على كل الأراضي اللبنانية وهي اليوم أمام تحدٍّ جديد في طرابلس». وأضاف: «كل مواطن طرابلسي يشعر أنه مستهدف ويُستخدم كصندوق بريد». واعتبر أن «ما يحكى عن غطاء سياسي للمسلحين ومطالبة السياسيين بوقف تغذية المسلحين هو تهرب من المسؤولية». وفيما شملت قرارات الاجتماع الأمني الرئاسي تحريك القضاء لملاحقة المخلين بالأمن، طالبت فعاليات في المدينة بتطبيق خطة أمنية شاملة لها. وعقد رئيس هيئة العلماء المسلمين في الشمال الشيخ سالم الرافعي مؤتمراً صحافياً اتهم فيه «الحزب العربي الديموقراطي» بتهديد أمن المدينة وقصف أحيائها بوجود الخطة الأمنية من دون أن تحرك ساكناً على المعتدين. وإذ ذكّر باتهام عناصر من الحزب بتفجيري طرابلس في 23 آب (أغسطس) الماضي، طالب بحل الحزب وقال: «إذا لم تقم الدولة بواجباتها في حماية أهلنا في طرابلس ومحاسبة المسؤولين عن تفجيري مسجدي التقوى والسلام، فإن ما بعد التفجيرين واكتشاف فاعليهما ليس كما كان من قبل». من جهة أخرى، قالت مصادر رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أمس إن حواره مع رئيس البرلمان نبيه بري في ظل الأزمة السياسية الراهنة هدفه التأكيد «أن الناس يلتقي بعضها مع بعض في ظل التباين في وجهات النظر»، مؤكداً الاتفاق على بعض الأمور مثل ملف النفط والغاز، وعدم الاتفاق على أمور أخرى. ونقلت المصادر عنه قوله إن في البلاد انقساماً عمودياً على عدد من الأمور، منها السلاح وتورط «حزب الله» في سورية «ونحن غير قادرين على أن نتفاهم عليها في سرعة والحل بالحوار حتى نصل الى حلها. لكن في هذا الوقت لا بد من تسيير أمور الناس، وطرحنا حكومة حيادية، لأننا جربنا حكومات الوحدة الوطنية وماذا أنتجت، ثم جاءت حكومة الرئيس ميقاتي فاختلفوا في إدارة الشأن العام». ورأى أنها «يمكن أن تضم سياسيين غير حزبيين، وحين طرح الرئيس سليمان حكومة 8+8+8 اعتبرنا أنها ليست حلاً وقلنا له لن نعارضها إذا ارتأيت ذلك لكنهم أجهضوها». وأضاف: «طرحوا حكومة 9+9+6، التي هي رأس جبل الجليد لطرح شروط أخرى». ورأى أنه إذا شكل الرئيس سليمان والرئيس المكلف تمام سلام حكومة ولم تنل الثقة فإنها تستطيع تسلم سلطات الرئاسة. على صعيد أمني آخر، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه أنه «بناء على معلومات وردت الى مديرية المخابرات عن قيام أشخاص بنقل متفجرات، قامت دورية من المديرية بملاحقة سيارة في محلة حوش الحريمة، فحصل تبادل لإطلاق النار أدى الى إصابة عسكريين اثنين بجروح ومقتل اثنين من المسلحين مجهولَي الهوية أحدهما يرتدي حزاماً ناسفاً، كما تم توقيف شخصين آخرين، أحدهما لبناني والآخر من التابعية السورية أصيب بجروح في قدميه. وضبطت الدورية داخل السيارة أنواعاً مختلفة من المتفجرات قدرت زنتها بحوالى 250 كلغ، إضافة الى كمية من الفتيل الصاعق. ونقل المصابون الى مستشفى البقاع للمعالجة، وسلّمت المضبوطات الى المراجع المختصة، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص».