بدا وكأن حظر يوم الجمعة المبكر هدية السماء لا لباسم يوسف، ولكن لجموع المصريين من عشاق السخرية السوداء والتنكيت الصادم والانتقاد المضحك المبكي في آن! فحظر يوم الجمعة الذي يستهل ساعاته مبكراً بفضل أنصار الشرعية والشريعة أراح ملايين المصريين من الشلل المروري الرباعي الذي يضرب أرجاء المحروسة والذي كان يحرم الكثيرين من متابعة «البرنامج»! البرنامج الذي أغضب الجميع وانتقد الكل وسخر من الغالبية عاد ليل أول من أمس في موسمه الجديد بعد كثير من الترقب وقليل من التخوف وخليط من التكهن. باسم يوسف الذي أغرق الدكتور محمد مرسي وجماعته في بحور هائجة من الفكاهة الأيديولوجية والطرفة الإعلامية والسخرية السياسية والنكتة الفلسفية –إذ لا يمكن أبداً إنكار دور «سلطانية الفلسفة» التي صارت سبة لصيقة بالرئيس المعزول، باسم يوسف الذي اعتبره المصريون الكارهون لحكم الإخوان نسمة الهواء العليل التي تمنحهم بلسم الضحك الهستيري على مساخر الجماعة، والذي اعتبرته رموز الجماعة وقت كانت حاكمة خطراً داهماً وتهديداً بالغاً لمشروع دخل عقده الثمانين، باسم يوسف الذي أجبرت أنصار الجماعة على اعتباره «أراجوزاً» مرة و «سوستة» مرة و «تافهاً» و «حقيراً» و»نجساً» مرات، وذلك اتباعاً لمبدأ السمع والطاعة العتيد، عاد وسط أجواء عاتية من الترقب. لكنه هذه المرة ليس ترقباً لما سيحويه «البرنامج» من انتقاد لاذع لتيار الإسلام السياسي وذلك إما تنفيساً عن كراهية الكارهين أو استنفاراً لردود الإخوة والأخوات من المدافعين والمدافعات عن أمير المؤمنين رغم أنف الكارهين. ترقب الجميع ما سيأتي به يوسف إما خوفاً أو أملاً في أن تتحول دفة الانتقاد تجاه وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي «معشوق الملايين»، وذلك حسب موقع المشاهد، فإن كان على يمين الشاشة فهو من عشاق السيسي ومن ثم سيصب جام غضبه عليه، وإن كان على يسار الشاشة فهو من ذوي «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» ومن ثم سيفرح ويبتهج. فكان أن خرج الجميع من الحلقة صاباً بالغضب ومركزاً الحنق وموجهاً الاتهامات ليوسف الذي -وفق الجالسين يمين الشاشة– عميل أميركاني وطابور خامس وهادم للبلاد ومفكك للجيش، والذي –وفق الجالسين يسار الشاشة– عديم الإحساس منزوع الآدمية ومؤيد مموه للسيسي رئيساً. فالسخرية المبطنة من جمل قالها السيسي والسخرية المباشرة من حب البنات للمتحدث العسكري والتلميح بأن الحب الشعبي الجارف للسيسي قد يمرر قبضة حديد أو ردة في الحرية دفع كثيرين من محبي السيسي وصف باسم يوسف بالعمالة ووصمه بالخيانة وتصنيفه ب «الحلو المتوسطن» (من الوسطية) أو «باسم أبو الفتوح يوسف» (من عبد المنعم أبو الفتوح المحب للجماعة لكنه يغازل اليبراليين) أو «أحدث الخلايا النائمة». وقوله الأكيد بعيداً عن التنكيت بأنه لا يمكنه دعم من يحلم بشق الجيش ولا من يصنعون الفراعنة نزل على «الناس بتوع ربنا» من عشاق مرسي ومحبي الجماعة ليزيد من كراهيتهم ليوسف وإن كان انشغالهم بفعاليات أسبوع الصمود الهادف إلى إشاعة الفوضى والغوغائية قبل محاكمة رئيسهم يوم 4 الشهر المقبل خففت من هجمات لجانهم الإلكترونية المعتادة المدافعة عن «فرعونهم» مرسي. ويبدو أن لعنة الفراعنة تأبى الزوال! فمن اتهام لأنصار الشرعية والشريعة بأنهم يقدسون فرعونهم «مرسي» وتلميح بأن أنصار السيسي قد ينزلقون في الهوة نفسها، وقف باسم يوسف هذه المرة وحيداً وسط أنصاره ومحبيه الذين درأوا عنه في الماضي خطر الإخوان الصاب لعنات الشتم والتكفير والتجريح، ويدرأون عنه حالياً خطر ملايين المصريين ممن منعهم حب السيسي وتقدير دوره المنقذ لهم ولوطنهم من براثن الإخوان من تقبل سخرية يوسف من بطلهم، وهو ما كاد يفتح الباب لمزيد من لعنات الفراعنة حيث اتهمهم البعض بأنهم من يصنعون فرعوناً من باسم يوسف نفسه! المثير هو أن الترقب الذي شاب يوم الجمعة انتظاراً للحلقة الموعودة لم يكن حكراً على المصريين فقط، بل كان عابراً للمحيطات كاسراً للحدود. ف «لوس أنجليس تايمز» ترقبت محتوى الحلقة قبل عرضها مؤكدة ما عجزت إدارة دولته - أو بالأحرى رفضت- أن تراه. «مشكلة يوسف الأساسية لن تكون مع السلطات، بل مع جمهوره، فالجمهور العالمي نفسه الذي دأب على التصفيق للسخرية الجريئة الموجهة للرئيس الإسلامي محمد مرسي –والتي بسببها ألقي القبض عليه ووجهت له تهمة إهانة الرئيس- هو نفسه الذي قد يجد السخرية نفسها غير مضحكة لو وجهها يوسف إلى الجنرال السيسي ذي الشعبية الفائقة الذي أطاح بمرسي. وكذلك فعلت «واشنطن بوست» التي كتبت هي الأخرى مترقبة باندهاش الكيفية التي يتعامل بها «جون ستيوارت مصر» بأسلوب مفرط السخرية في بلد تقطر مشاعر وطنية داعمة للجيش وما يشبه العبادة لوزير دفاعها الفريق عبد الفتاح السيسي والحاكم الفعلي للبلاد. قد يكون «البرنامج» مقياساً لحرية التعبير، وقد يكون مؤشراً لحجم الديموقراطية، لكنه بكل تأكيد كاشف فاضح واضح لمصر والمصريين. فعام من حكم الإخوان جذّر استقطاباً مقيتاً اعتبر انتقاد مرسي تجريحاً لأنه أمير المؤمنين الذي لا يخطئ ورمز الأمة الذي لا يزل من جهة، واعتبرت كل من ينتقد أو يسخر أو ينكت أو يجرح في مرسي بطلاً قومياً ونجماً ساطعاً يستحق التكريم ويكلل بحب الجماهير. لكنه يكشف كذلك أن المصريين حين يحبون يحبون بشدة، وحين يكرهون يكرهون بقوة، وحين يتشككون يتشككون بهمة. والنتيجة هي أن باسم يوسف بطل قومي وعميل خائن وإعلامي ساخر وعلماني خارج ومحلل شجاع ورويبضة الزمان وصمام الأمان وطابور خامس وطرف ثالث وخلية نائمة والبقية تأتي في الحلقات المقبلة!