يواصل مهرجان العالم العربي في مونتريال للعام الرابع عشر على التوالي تألقه وفرادته كواحد من المهرجانات العالمية في الشمال الاميركي. فهو المهرجان العربي الأول الذي يجمع الفن والثقافة بحِرفية عالية، وأول جهد اغترابي فردي يتحول من احتفالية موسمية الى مؤسسة عربية كندية استثمارية (ألشيمي -Alchimies) تتولى إعداد مجمل برامجه ونشاطاته التي جاوزت المئة وتشغل معظم صالات مونتريال السينمائية والمسرحية. هو المهرجان الوحيد بين المؤسسات الاغترابية الذي يحظى بدعم العديد من المؤسسات الكندية معنوياً ومادياً، بينها بلدية مونتريال التي خصصت له هذا العام 40 ألف دولار، ما جعل المهرجان مركز جذب لفئات واسعة من المثقفين ورجال الاعمال وزعماء الاحزاب ورؤساء الحكومات والبرلمانات والبلديات والنواب والوزراء الذين يتناوبون على رئاسته الفخرية كتقليد بات سنوياً. وقد غص مسرح «لو ناسينوال» في مونتريال، مساء أول من أمس، خلال افتتاح المهرجان المستمر حتى 9 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بالوافدين وسط أجواء راقية تخلّلها كوكتيل ولقاءات وتعارف ومقابلات لمسؤولين مع وسائل الاعلام الكندية. وأشادت رئيسة الشرف للمهرجان ماري ديروس عضو اللجنة التنفيذية والمسؤولة عن المجموعات الاتنية الثقافية في بلدية مونتريال، خلال الافتتاح، بجهود القيمين عليه وتقديمهم للجمهور الكندي. وقالت إنه «هذا الحدث يمثّل مشهداً فنياً راقياً يحاكي مهرجاناتنا العالمية، وهو فرصة ممتازة لتطوير الحوار وتسريع الاندماج وبناء جسور التعايش الحضاري بين مختلف مكونات المجتمع الكندي». كما أكد المدير الفني العام للمهرجان جوزيف نخلة أهمية تلازم المسارين الفني والثقافي، مشيراً الى أن «الفنون العربية من موسيقى ورقص وغناء ومسرح وسينما وغيرها باتت مكوناً رئيساً من الثقافة الكندية». ولفت الى ان عنوان المهرجان «قبليات» (Tribales) لهذه الدورة، له وجهان إيجابي ومشرق يشبه جمهور مهرجان العالم العربي في تنوعه وتعدده وتحضره وتعايشه، وآخر سلبي يفرق ولا يجمع ويحول شعوبنا من جديد الى قبائل قومية ودينية وطائفية ومذهبية». فرقة الجوالة الالمانية ذات الشهرة العالمية، افتتحت المشهد الفني الذي يشكل القسم الاول من برنامج المهرجان. وحيّت الجمهور بجولة موسيقية حول قاعة المسرح إيذاناً ببدء سهرة ساحرة. وتألفت من خمسة عازفين على آلات موسيقية مختلفة (ساكسوفون، غيتار، درامز، آلة نفخ، وكيبورد). قدمت «الجوالة» خلال ساعتين تقريباً مساراً موسيقياً جديداً مستوحى من سحر البداوة وتنقلات الرحّل بين سفوح منطقة البلقان ووهادها. وتخللتها مغامرت ولقاءات موسيقية أشبه بكوكتيل من الانغام والالحان، تعايش فيها القديم والحديث والبدوي والحضري والغربي والشرقي والبلدي والروك اند رول. وتقاطعت على ايقاعات النحاس والالكترو روك والنكهات المطعمة بأنغام السكا والريغي والسول. وكأن الحضور كان أمام حفلة زفاف لعروس غجرية بلقانية تجول في الشوارع المزدحمة بين اسطنبول وشنغهاي وتتحدث بلغة موسيقية عالمية صاخبة حيناً وهادئة حيناً آخر، وهي تمضي بتحطيم الحواجز المصطنعة بين الشعوب والامم. باختصار، تميزت سهرة «الجوالة» بأجواء احتفالية موسيقية صاخبة، والتفاعل بين العازفين والجمهور كان في محاكاة متواصلة، يزداد لهيباً كلما اشتد الحوار بين المسرح والقاعة. فتتحول هذه الاخيرة الى مسرح جماعي للرقص يهتز على وقع الموسيقى الصاخبة وصيحات الفرح وتمايل الاجساد والتلويح بالأيدي. وتندرج في المشهد الفني أيضاً عشرات العروض الغنائية والموسيقية التي تشارك فيها فرق لبنانية وجزائرية وايرانية وأفغانية وهندية وأوروبية وكندية، من أبرزها لقاء «يا مال الشام» الذي يشارك فيه فنانون كبار مثل العراقي نصير شمّا، والسورية لينا شماميان، واللبناني شربل روحانا، والفرنسي نادر دندون، إضافة الى فرقة «EktoEcho» من كيبيك. أما صالون الثقافة فيخصَّص قسم منه لمختارات من أفلام لمخرجين عرب وغير عرب للتعريف بتجاربهم وأعمالهم الفنية وتشجيعهم، اضافة الى بعض الاعمال المسرحية والنشاطات الترفيهية. والقسم الآخر للحوار والنقاش وتبادل الآراء والافكار بين كتاب ومثقفين عرب وأجانب حول بعض المسائل المحيطة بثورات الربيع العربي والعلمنة والهوية والهجرة وصراع الثقافات والاديان وشرعة القيم الكيبيكية وغيرها.