مرت على الليبيين أمس، ذكرى «عيد التحرير»، من دون احتفالات سواء في طرابلس أو بنغازي، وفي ظل تفاقم المخاوف من انعدام الأمن والفوضى وسيطرة الميليشيات، مخاوف تضاف إلى استياء عارم من الفساد على المستوى السياسي، وصعود النزعات الجهوية والقبلية والدينية التي تهدد بتفكيك البلاد. عامان على وقوف رئيس المجلس الانتقالي السابق مصطفى عبد الجليل على منصة في بنغازي، ليقرأ «إعلان التحرير» بعد مقتل العقيد معمر القذافي، ولا تزال مسيرة انتقال البلاد إلى الديموقراطية معطلة، بفعل تلكؤ المؤتمر الوطني العام (البرلمان الموقت) في إنجاز آلية انتخاب «لجنة الستين» التي ستؤول إليها مهمة كتابة الدستور، الأمر الذي يفترض أن تليه انتخابات برلمانية ثم رئاسية، وبينهما تشكيل حكومة فاعلة، ترسي ركائز دولة القانون والمؤسسات وما يتطلبه ذلك من تطهير للقضاء وبناء جيش وشرطة وطنيين. الحكومة التي لم تفق بعدُ من صدمة «اختطاف» ميليشيات رئيسها علي زيدان قبل أسبوعين، اكتفت بإصدار بيان في «عيد التحرير» أمس، هنأت فيه الشعب بالذكرى التي «شكلت نهاية لعهد الاستبداد والطغيان وبداية لعهد جديد عماده الحرية والعدالة والمساواة، واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير». رأى كثيرون في ذلك «كلاماً إنشائياً» وشككوا في قدرة الحكومة والمؤتمر الوطني على وضع «خريطة طريق» إلى الديموقراطية، ففي حين يفترض بحسب الإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس الانتقالي أن تنتهي ولاية «المؤتمر» في شباط (فبراير) المقبل، فان مصادره ألمحت أكثر من مرة إلى احتمال تمديد ولايته. في غضون ذلك، تسيطر ميليشيات متعددة الانتماءات (دينية وقبلية وجهوية) على مفاصل الدولة وتمارس سياسة ابتزاز لموارد الحكومة، خصوصاً بعدما تعزز موقعها اثر تكليفها من جانب رئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين بتولي مسؤولية الأمن في البلاد. مسلسل الاغتيالات والمواجهات القبلية الدامية وأعمال التهريب، يعزوها كثير من الثوار إلى «إرث نظام القذافي» الذي يحملونه مسؤولية افراغ الدولة من المؤسسات، طيلة 42 سنة من حكمه، في حين تعاني الطبقة السياسية الجديدة من استقطاب تقليدي بين «الليبيراليين» و «الإسلاميين». والكلام عن «ارث القذافي» لا يعفي «الثوار» من اتهامات موجهة إليهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان تتجلى في سوء معاملة السجناء والتمييز ضد مجموعات سكانية بكاملها بعدما كان أفراد منها محسوبون على النظام السابق. ومع اقتراب الذكرى الثالثة لاندلاع انتفاضة «17 فبراير» (2011) ضد النظام السابق، تبدو فكرة المصالحة الوطنية بعيدة المنال إن لم تكن من ضروب المستحيل، فيما تسلط منظمات حقوق الإنسان الدولية الضوء على «انعدام التسامح» الذي ترى فيه خطراً يهدد البلاد بحرب أهلية جديدة. وفي بيان أصدرته أمس، دعت «منظمة العفو الدولية» السلطات الليبية إلى إيجاد حلول مستدامة على وجه السرعة، تضع حداً للنزوح القسري المستمر لعشرات الآلاف من «التاورغاء» وغيرهم من المجتمعات التي هُجّرت من ديارها إبان النزاع في 2011. وأشارت المنظمة إلى إن جميع أهالي مدينة تاورغاء (40 ألف نسمة)، هجروا قسراً على أيدي جماعات مسلحة من مصراتة اتهمتهم بدعم كتائب القذافي. ورأت المنظمة أن السلطات الليبية «تتخاذل» عن ضمان عودتهم الآمنة إلى منازلهم. ولفتت «منظمة العفو» إلى أن إجمالي عدد المهجّرين داخلياً في أنحاء ليبيا وصل إلى نحو 65 ألف نازح، وهم إلى جانب التاورغاء (ذوي البشرة الداكنة)، أفراد من قبيلة المشاشية التي تقطن جبل نفوسة (غرب)، وآخرون من سرت وبني وليد وطوارق من أهالي غدامس أيضاً. تضاف إلى ذلك قضية مئات الآلاف من الليبيين المهاجرين طوعاً خارج البلاد، بعد سقوط النظام السابق. وأشارت المنظمة إلى حالات اختفاء قسري وتعذيب وسوء معاملة لمئات المعتقلين.