في مولدافيا التي تعد أفقر البلدان الأوروبية، يقع آلاف الشباب الذين يحلمون بالهجرة، في شِباك عمليات الاتجار بالبشر. وتساعدهم تقنية «مسرح المضطهدين» التي أبصرت النور في البرازيل، على تجنب السقوط في هذه الدوامة. واحتفل الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضي بيوم مكافحة الاتجار بالبشر الذي يقع ضحيته مئات آلاف الأشخاص في القارة العجوز. وتقع أحداث هذا المشهد المسرحي في ناد ليليّ حيث يقول إيون لصديقته أناستازيا إنه «عرض عمل في الخارج. وكل الأمور متماشية مع القانون. وستجدين من ينتظرك في المطار وستكسبين 1100 يورو في الشهر الواحد. ليس لديك أي فرصة في مولدافيا. أما في الخارج، فالأبواب مفتوحة أمامك». أناستازيا التي ربتها جدتها الفقيرة لا ترى أي آفاق لمستقبلها في بلدها الريفي بغالبيته الذي يكسب فيه المدرس 150 يورو في الشهر الواحد. وأكثر من 600 ألف مولدافي من أصل سكان البلاد البالغ عددهم الإجمالي 3.5 مليون نسمة، يعيشون في الخارج، وفق المنظمة الدولية للهجرة. وقد هاجر ثلثهم بطريقة غير شرعية بسبب الصعاب التي واجهوها في الحصول على تأشيرة دخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وينتهز القائمون بعمليات الاتجار بالبشر هذه العراقيل لشد الشباب إلى شباكهم، فيغرونهم بتأشيرة دخول وإجازة عمل وراتب كافٍ لمساعدة عائلاتهم. وتعد مولدافيا من البلدان التي تسجل أكبر نسبة من عمليات الاتجار بالبشر في أوروبا. ويقع فيها الرجال والنساء والأطفال ضحية الدعارة والعمل القسري. ومن أبرز الوجهات التي يرسل إليها الضحايا، روسيا وأوكرانيا واليونان وشمال قبرص وتركيا وإيطاليا، كما كشف إدوارد بولات من النيابة العامة في مولدافيا التي تتولى مكافحة الاتجار بالبشر. ويتعذر تحديد العدد الإجمالي للضحايا، لكن المنظمة الدولية للهجرة ساعدت 3 آلاف منهم بين العامين 2000 و2012. وتقبل أناستازيا العرض في النادي الليلي، ويلاقيها قواد في إيطاليا، فتقع في الفخ. هذا العرض المسرحي هو من تأليف مجموعة من المتطوعين من جمعية «شباب من أجل الحق في العيش» التي تتخذ في مدينة بالتي (الشمال) المنكوبة، مقراً لها والتي تعنى بمساعدة مدمني المخدرات وضحايا عمليات الاتجار بالبشر وأعمال العنف. وأُدي العرض أمام 70 طالباً اجتمعوا في مدينة دروشيا (الشمال) وكان له تأثير كبير فيهم. وكلهم يحلمون بمغادرة البلاد ويسمعون في محيطهم بعمليات من هذا القبيل. وخلال ساعتين، يعلق الطلاب على العرض ويعيدون تأديته معدلين خيارات اناستازيا، وذلك بدعم من أوكسانا بوزوفيسي المتخصصة في مسرح المضطهدين. وهذه التقنية المسرحية التي تعرف بالإنكليزية ب «فوروم ثياتر»، أبصرت النور في السبعينات بمبادرة من البرازيلي أوغوستو بول، وهي تسمح للمشاهدين بتغيير مجريات القصة. وهي تستخدم في أنحاء العالم أجمع لتسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية. وتقوم المساعدة الاجتماعية آنا ساكوفسكايا البالغة من العمر 24 سنة بتقديم هذه العروض المسرحية مع جمعية «شباب من أجل الحق في العيش» في عشرات المناطق والمدارس، وبدعم من سلطات مولدافيا وفرنسا. واعتبرت الولاياتالمتحدة أن السلطات المولدافية أحرزت «تقدماً ملحوظاً» في مكافحة عمليات الاتجار بالبشر، معززة الوسائل الاحترازية وسبل إعادة تأهيل الضحايا. وقالت إكاترينا بيريجان من اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر إن «التدابير الاحترازية تشكل ثلث الخطوات الهادفة إلى مكافحة هذا النوع من العمليات».