في بلد من أفقر البلدان الأوروبية، توسل الشباب والشبكات الاجتماعية الالكترونية وسائل التكنولوجيا ورسائل «اس ام اس» القصيرة لتنظيم تظاهرة طالبت بالديموقراطية ونددت بالتلاعب بنتائج الانتخابات. وتوقع المنظمون مشاركة ألف شخص في التظاهرة. ولكن أعداد المتظاهرين فاقت 10 آلاف شخص احتجوا على فوز الشيوعيين، وعلى رأسهم الرئيس المولدافي الشيوعي، فلاديمير فورونين، هو قائد سابق في الشرطة السرية السوفياتية، ووالد أغنى رجل في مولدافيا، في الانتخابات. وواقع الامور يبعث على الاسف. فمولدافيا لم تشهد ثورة. فبحسب المراقبين، ليست التظاهرة الكبيرة ثمرة التواصل عبر الانترنت العفوية. وليس انزلاق التظاهرة إلى العنف، واحراق المباني الحكومية، ورفع العلم الروماني فوق مبنى البرلمان، محض صدفة. وخشيت السلطات أن تتوسّع دائرة العنف، وأن تنفلت من عقال السيطرة. ولم تنظر الى تحرك المتظاهرين على أنه تجمع عفوي لشباب يسعون الى بناء مستقبل أفضل. والحق أن المعارضة المولدافية تفتقر الى قاعدة شعبية متماسكة تسمح لها بتنظيم تحرك مثل هذا. وأعنف المتظاهرين هم أعضاء في أجهزة الأمن المولدافية، على ما نبّهت مصادر الدول الغربية والمراقبون والساسة المحليون. ورفع العلم الروماني على سطح مبنى البرلمان ضعيف الصلة بالعفوية. فتسلق هذا المبنى يفترض استعداد المتسلق لهذه الخطوة، واعداده الأدوات والعدة المناسبة. ورفع العلم الروماني على البرلمان المولدافي خطوة رمزية كبيرة. فمولدافيا أنشئت في 1940، اثر اقتطاع ستالين، بموجب اتفاق مع هتلر، مقاطعة بيساربيا من رومانيا وضمها إلى الإتحاد السوفياتي، واستبدال الأبجدية اللاتينية بالسيريلية. والى اليوم، ليس الارتياب المولدافي من الطموحات الرومانية في المنطقة من بنات الخيال فحسب. ويدعو بعض السياسيين المولدافيين المعارضين إلى الوحدة مع رومانيا شأنهم شأن بعض الرومانيين. وتسعى الحكومة الرومانية إلى توطيد علاقات بلادها بأوروبا. ولا ينظر زعماء مولدافيا الشيوعيون، وهم يماشون سياسة اصدقائهم الروس، بعين الرضا الى العلاقات هذه، ويصفون سياسة التقرب الرومانية من أوروبا ب «الراديكالية». وحوادث السابع من الشهر الجاري حصلت لعرقلة مفاوضات الاتحاد الاوروبي مع مولدافيا. فالقومية الرومانية أخرجت من قمقمها. ودان الرئيس الروسي «الفوضى الجماعية» التي تذرعت بنتائج الانتخابات وطعنت فيها. وحاول المبعوث الأوروبي بمولدافيا تهدئة الاطراف السياسية كلها. ولم يفلح في ذلك كثيراً. فنفوذه محدود. وأسرّ فورونين لبعض الديبلوماسيين انه لا يكترث بالعلاقات مع أوروبا قائلاً «لدينا أصدقاء في مكان آخر». ومشاهد ثورة «تويتر» المولدافية على موقع «يوتيوب» ليست ثورة برتقالية أو وردية، بل ثورة تلاعب الشيوعيون بها، وحرفوها عن هدفها، في وقت لم يكن من العسير حمل الناس الغاضبين على حرق المباني الحكومية في الدولة الاقل سعادة في العالم. وأغلب الظن أن تؤذن هذه «الثورة» بكرّ سبحة «ثورات» مماثلة في الدول السوفياتية السابقة. عن «واشنطن بوست» الأميركية، 21 /4/ 2009، اعداد علي شرف الدين