كان يوما 21 و 22 من آب (أغسطس) الماضي أياماً حولت مسار معلم سوري فجع بمذبحة استخدم فيها السلاح الكيماوي المحرم دولياً، ويوم قتل فيه ابنه بغارة جوية في جبهة مشتعلة في جنوب الغوطة الشرقية، ويقف المعلم في عرفة حاجاً عن ابنه الذي فقده. وفي جبل الرحمة بمشعر عرفة، وتحت درجة حرارة تخطت حاجز ال40 - بحسب موقع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة -، يستدعي الحاج السوري أبو أنس التيناوي ذكريات يوم الكيماوي وما تبعه من رحيل ولده، ففرحة نجاة أسرته من القصف لم تدم لأكثر من يوم، فقد قُتل ابنه أنس ضحية لقصف جوي على الجبهة الجنوبية للغوطة الشرقية، فحج هذا العام لابنه. ويوضح التيناوي (51 عاماً) الذي يعمل معلماً وانخرط في القتال منذ اندلاع الثورة السورية 2011، في حديثه إلى «الحياة» أنه حج مرتين، وأن حج هذا العام لابنه الكبير أنس الذي استهدف من الجيش النظامي في جنوب الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أن ابنه رحل عنهم ولم يتجاوز 26 عاماً «كان مهندساً في عام التخرج، انخرط في الثورة وشكّل كتيبة هندسية، تولى قيادتها منذ اندلاع المواجهة المسلحة مع النظام». ويبين أن آخر ما دار بينه وبين ابنه أنس، الحديث عن مذبحة الغوطتين اللتين تعرضتا لقصف بسلاح الكيماوي المحرمة دولياً، في ال 21 من آب (أغسطس) الماضي، وعن هول المجزرة التي راح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء، إذ قتل بعدها بيوم في جبهة قتالية. ويضيف: «ودعني أنس في الليل وكأنه يعلم بأنه لن يعود بعدها، وقال لي كلاماً وكأنه مودع، إنه يجب علينا أن لا نخشى شيئاً، فالمظلوم سينتصر حتماً، وهذا يقين الصغير والكبير، ما يشغل بالنا من ينظرون إلى المعركة وفي أي صف يقفون»، مؤكداً صمود الدمشقيين أمام الحصار الذي يفرض عليهم، فلا كهرباء ولا ماء، ورغيف الخبز منقطع الوصل منذ أربعة أشهر. ويلفت التيناوي إلى ثلاثة من أبنائه يشاركون الجيش الحر في قتال النظام السوري، إضافة إلى عمل ابنته الكبرى في مجال التعليم بمؤسسة خيرية تحت الأقبية في مدينة دوما، بيد أن حديثه عن التعليم يستوقفه برهة ويقول: «فقدت 100 من طلابي، كلهم رحلوا في ميادين الوغى والشرف». ويدعو ربه في صعيد منى أن يفك الحصار على الغوطتين فالخبز بات توافره شبه مستحيل فانقطاعه عن الأهالي امتد لأكثر من أربعة أشهر، وأسعاره أغلى من الوقود، ومجتمع الغوطتين في دمشق منقطع تماماً عن الأخبار، مستدركاً: «الحصار لا يزيدنا إلا قوة وعزيمة، أخرجت مرة طفلاً لا يتجاوز عمره الستة أعوام، كانت علامة النصر لا تفارق إصبعيه».